وتبلورت مثله في الظلم والاضطهاد وفظائع ديوان التحقيق، وكان من المستحيل في ظل المؤثرات الدينية، التي غلبت على السياسة الإسبانية، أن يعامل الموريسكيين بالرفق والتسامح، وبها فقط كان يمكن العمل على إرضائهم، وتحقيق رخائهم وبث محبّة النصرانية في قلوبهم. وقد كانت كل محاولة لتلطيف الموقف، تزيده سوءاً حتى غدوا إغراء لاتصال كل عدو من الخارج، ومثاراً دائماً لجزع السياسة الإسبانية. فلما اضمحلت قوة إسبانيا، وفقد حكامها الثقة بالنفس، لم يكن ثمة بدّ من أن يتوجّ قرن من الغدر والظلم، بالنفي والإبعاد. وقلما يقدّم لنا التاريخ مثلاً كوفئت فيه السيئة بأمثالها، وطمت كوارثه، كذلك الذي ترتب على جهود الكاردينال خمنيس بما يطبعها من تعصب مضطرم".
ثم يقول: " على أنه مهما كان من فداحة الضربة، فقد كان من الميسور تداركها بسرعة، لو أن إسبانيا كانت تملك الحيوية القوية، التي مكّنت أمماً أخرى من أن تنهض من كوارث أشدّ. إن انحلال إسبانيا لا يرجع فقط إلى خسارتها لجزء من السكان، بنفي اليهود والعرب المتنصرين، فقد كان من المستطاع أن تعوّض هذه الخسارة، ولكن الخطب يرجع إلى أن اليهود والعرب المتنصرين، كانوا من الناحية الاقتصادية أقيم عنصرين بين سكانها، وكان نشاطهم معيناً لحياة الآخرين، وبينما كانت أمم أوروبا الأخرى تنهض وتسير إلى الأمام في مضمار التقدم، كانت إسبانيا وشعارها أن تضحي بكل شيء في سبيل الوحدة الدينية، تنحدر سراعاً إلى غمر البؤس والشقاء، وتغدو جنّة للأحبار والقساوسة، وعمال ديوان التحقيق، تخمد فيها كل نزعة إلى الرقي العقلي، وتقطع فيها كل صلة مع العالم الخارجي، ويشل فيها كل جهد يبذل في سبيل التقدم المادي. وقد كان من العبث أن تنهمر ثروات العالم الجديد إلى أيدي شعب لا تقل مواهبه الطبيعية عن أي شعب آخر، وإلى أرض كانت مواردها عظيمة، مثلما كانت حينما جعلتها براعة العرب ونشاطهم في طليعة الأمم الأوربية ازدهاراً. ومهما كانت قيمة الخدمات التي