للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذين يناط بهم الإدراك الواضح لمعنى التنزيه. أما العوام فهم في العادة لا يستطيعون بلوغ هذه الغاية.

وقد ساق صاحب كتاب المباني ثمانية أوجه لبيان الحكمة في متشابه القرآن، وسنذكر هذه الأوجه هنا بإيجاز.

١ - إن الله احتج على العرب بالقرآن، إذ كان فخرهم ورياستهم بالبلاغة، وحسن البيان والاختصار والإطناب. وكان كلامهم على ضربين: أحدهما:

الواضح الموجز الذي لا يخفى على صاحبه، ولا يحتمل غير ظاهره. والآخر على المجاز والكنايات، والإشارات والتلويحات وهذا الضرب هو المستحلى عندهم، الغريب من ألفاظهم، البديع في كلامهم. فلما قرعهم الله سبحانه فعجزهم عن المعارضة بمثل سوره أو سورة منه أنزله على الضربين ليصح العجز منهم وتتأكد الحجج ولزومها إياهم، فكأنه قال: عارضوا محمدا في أي الضربين شئتم، في الواضح أو في المشكل. ولم يقدروا عليه. ولو أنزله كله واضحا محكما بحيث لا يخفى على أحد سمعه منه لوجد المشركون مقالا، وقالوا: ما باله لم ينزله بالضرب المستحسن عندنا، والمستحلى في طباعنا؟ لأن ما وقع فيه الإشارة والكناية والتشبيه والتعريض كان أفصح وأعرب. ثم يؤيد بعد ذلك رأيه هذا بأبيات من الشعر فيها الاستعارات والمجاز والكناية ويطبق بعض هذه المفهومات البلاغية على آيات من القرآن.

٢ - في الآيات المتشابهة اختبار لموقف المؤمن الذي يتقبل ما جاء بهذه الآيات ويردها إلى عالمها في حالة العجز عن إدراك معناها، في حين أن المنافق يتخذ من المتشابه سبيلا إلى بث عقائده الفاسدة، عن طريق التأويل السيّئ.

٣ - في المتشابه حث للعلماء على التدبر والتأمل وهؤلاء ينهضون بالتأويل، وينتفع العامة بعلمهم، ولو كان كله واضحا محكما لاستوى فيه العالم والجاهل.

٤ - في المتشابه من الآيات تدريب لعلماء الأمة على التدبر والتأمل، واستدعاء لهم لمداومة التفكر.

<<  <   >  >>