إن آدم وحواء لما أتيا بالزلة أمرا بالهبوط فتابا بعد الأمر الأول، ووقع في قبلهما أن الأمر بالهبوط لما كان بسبب الزلة، فبعد التوبة وجب أن لا يبقى الأمر بالهبوط، فأعاد الله تعالى الأمر بالهبوط مرة ثانية ليعلما أن الأمر بالهبوط ما كان جزاء على ارتكاب الزلة حتى يزول بزوالها، بل الأمر بالهبوط باق بعد التوبة لأن الأمر به كان تحقيقا للوعد المتقدم في قوله:
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً أي بيان ودلالة. وقيل أنبياء ورسل. وعلى هذا القول الأخير يكون الخطاب في قوله:
اهْبِطُوا لآدم وحواء وذريتهما.
واختلف حول تفسير الهدى هنا، وهل يفهم منه أن الإيمان يكون بالشرع أو أنه من موجبات العقل. وذهب أهل السنة إلى أن الشريعة هي التي تدعو إلى الإيمان، وأنه لا حكم قبل الشرع. أما المعتزلة فيرون الإيمان من موجبات العقل وأنه لا يشترط فيه بعثة الرسل وإنزال الكتب، وأنه إن لم يبعث الله رسولا ولم ينزل كتابا كان الإيمان به وتوحيده واجبا، لما ركب فيهم من العقول، ونصب لهم من الأدلة، ومكنهم من النظر والاستدلال.