أي وأنتم تقرءون التوراة وتدرسونها وتعلمون بما فيها من الحث على أفعال البر والإعراض عن أفعال الإثم.
أَفَلا تَعْقِلُونَ تنطوي هذه العبارة على تعجب للعقلاء من فعلهم. فهؤلاء كانوا يدعون إلى الطاعة ويحثون الناس عليهما بالدعوة والموعظة، لكنهم كانوا هم أنفسهم سادرين في المعاصي. والأولى بالداعي أن يعظ نفسه قبل أن يعظ غيره، وأن ينصح نفسه قبل أن يقدم على نصح سواه. قال علي بن أبي طالب: قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك. وروى أنس من حديث الرسول عن المعراج قوله:«مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من النار، فقلت يا أخي، يا جبريل، من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء خطباء من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم».
وعن الشعبي:«يطلع قوم من أهل الجنة الى قوم من أهل النار فيقولون:
لم دخلتم النار؟ ونحن إنما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم فقالوا: إنا كنا نأمر الناس الخير ولا نفعله».
ويقول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى ... بالرأي منك وينفع التعليم