أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (محمد: ٢٤) فكل هذه الآيات تدعو الناس إلى تدبر آيات القرآن وتفهمها، وتحثهم على الاهتداء بما جاء فيها. ولا يتسنى القيام بهذا لو كان القرآن لا يقبل التفسير، أو يمنع اجتهاد المجتهدين في تفهم آياته، وإيضاح معانيها. من هنا كانت الأحاديث والروايات التي تمنع الإفتاء بالرأي- إن صحت- لا تعني منع الاجتهاد في تفسير القرآن، وإنما تعني منع الخوض في تفسير كتاب الله بغير علم ولا أهلية لمثل ذلك العمل.
[الفكر الاسلامي وتطور التفسير بالرأي:]
إن حياة المجتمع الإسلامي بعد الصدر الأول أخذت تتعقد من نواح متعددة.
بعضها سياسي، وبعضها اجتماعي، وبعضها فكري. وكان من الطبيعي أن المجتمع الذي تطور على هذه الصورة تتغير مناهجه في دراسة العلوم، وتتباين سبلها. وكان للتفسير القرآني حظه من تطور الأسلوب، وتعدد المناهج.
لقد انقسم المسلمون إلى أحزاب سياسية في أعقاب الحرب الأهلية التي جرت بين علي ومعاوية. وتمخضت هذه الحرب عن أحزاب أربعة رئيسية هي الشيعة والخوارج والمرجئة والموالون للحكم الأموي.
وكان كل حزب من هذه الأحزاب يلتمس في القرآن تأييدا لرأيه، فكان أن فسر القرآن تفسيرات حزبية في بعض الأحيان. ولعل بعض هذه التفسيرات قد وضع بنية حسنة، يعتقد أصحابها بإخلاص أن حزبهم هو الحزب المهتدي إلى نهج الصواب. ولعل بعضها قد وضع بنية سيئة، تغلّب المصلحة الحزبية على الإخلاص الكامل للعقيدة.
ويمكننا أن نلمس ألوانا من هذه التفسيرات الحزبية فيما ذهب إليه الخوارج في