واستعمال صيغة المفاعلة في قوله يخادعون يبين أن خداعهم كان يقابل بمقاومة، فهم لم يخدعوا بل سعوا إلى الخداع.
وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ أي أن وبال أمرهم راجع إليهم في الدنيا لأن الله كان يدفع ضرر خداعهم عن المؤمنين ويصرفه إليهم.
وَما يَشْعُرُونَ الشعور في اللغة علم الشيء إذا حصل بالحس، ومشاعر الإنسان حواسه.
والمعنى أن لحوق ضرر نفاقهم بهم واقع عليهم، كأنه محسوس، لكنهم لتماديهم في الغفلة صاروا كمن لا يحس. وكم من منافق يحسب أن نفاقه يخفى على الناس، وما هو بخاف، لأن شخصية المنافق تكون مضطربة مهتزة، وتتناقض تصرفاته من حيث لا يشعر، لأنه لا يعمل وفق مبدأ، بل تتحكم فيه ظروف علاقاته مع الناس، وما ينبثق عنها من مواقف تظهر كذبه ونفاقه.
الأصل في القلب أنه موضع لمعرفة الله وطاعته. فإذا وقع في القلب من الصفات ما صار مانعا من هذه الآثار كانت تلك الصفات أمراضا للقلب. فالكفر والجهل من أمراض القلب، لأنهما يحجبانه عن مشاهدة الحقيقة. وحمل المرض أيضا على الغم لأنهم كانوا يغتمون كلما رأوا ثبات أمر النبي. وقد زادهم الله غما بزيادته الرسول والمؤمنين قوة وثباتا. وربما كان هذا الغم ممزوجا بالغيظ والحقد، لأن نجاح الرسول في أداء رسالته كان يزيدهم حنقا، وكان هذا مرضا قلبيا جلبوه على أنفسهم، وزادهم الله مرضا بإعلائه شأن الإسلام وتدعيم المؤمنين. أما إن