للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٤) حمل الآيات المتشابهة على الآيات المحكمة عند ما يصادم النصّ القرآني مذهب المعتزلة:

وهو مبدأ سار عليه الزمخشري، واعتمده في تفسيره، فإذا مرّ بآية تعارض مذهبه، وآية اخرى في موضوعها تشهد له بظاهرها نراه يدعي الاشتباه في الاول والإحكام في الثانية، ثم يحمل الأولى على الثانية، وبهذا يرضي هواه المذهبي، وعقيدته الاعتزالية.

فهو في تفسير قول الله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ (١).

وقوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢) يرى أن الآية الأولى محكمة، والآية الثانية متشابهة، وعليه فيجب أن تكون الآية الثانية متفقة مع الآية الأولى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بحملها عليها وردها إليها، فمذهب المعتزلة يرى عدم جواز رؤية المخلوق لله تعالى، ومذهب أهل السنة يرى الجواز.

وإذا كان الزمخشري قد تأثر في تفسيره بعقيدته الاعتزالية، فمال بالألفاظ القرآنية إلى المعاني التي تشهد لمذهبه، أو تأولها بحيث لا تتنافى معه على الاقل، فإنه في محاولاته هذه قد برهن بحق على براعته وقوة ذهنه، وصوّر لنا مقدار ما كان من التأثر والتأثير بين التفسير وهوى العقيدة. وليس لنا أن نغضّ الطرف عن تفسير الزمخشري، تأثرا بمذهب السنّة، أو كراهة لمذهب المعتزلة، وبخاصة بعد


(١) سورة الانعام ١٠٣
(٢) سورة القيامة ٢٢، ٢٣

<<  <   >  >>