وفي قصة البقرة حكم أشار اليها المفسرون. منها أنه يستحب تقديم القربان للتقرب إلى الله، ومنها أن القربان يجب أن يكون جيدا منتخبا، ومنها أن الناس يتكلفون ثمن شراء القربان وفي ذلك نوع من التضحية، ومنها أن بعث القتيل وقع بناء على أفعال أمرهم الله بها، فنفذوها بأيديهم، وكلها مما لا يحيي الموتى، فضرب قتيل بقتيل لا يولد حياة، لكن الله بقدرته جعل هذا الضرب مؤثرا فقام القتيل من الموت وأخبر بقاتليه. وكان ذلك كله آية أجراها الله تحت أعين هؤلاء الناس، ليبين لهم كيف يحيي الموتى، حتى يؤمنوا بالبعث، ويصدقوا بأن من أحيى قتيلا على هذه الصورة قادر على إحياء الموتى، كما وعد في كتبه.
من شأن القلب أن يتأثر ويعتبر بالدلائل والآيات، وفي هذا ما يمهد سبيل الطاعة، ويصرف عن الإحساس بالتمرد والعتو والتكبّر، فإذا عرض للقلب عارض أخرجه عن هذه الصفة صار في عدم التأثر شبيها بالحجر، وهنا يوصف لقلب بأنه قاس غليظ، أو بأنه قلب متحجّر لا ينفذ إليه إحساس.
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ يحتمل أن يكون المقصود: من بعد ما اظهره الله من آياته بإحياء القتيل عند ضربه ببعض جسم البقرة، أو أن المقصود: من بعد كل ما أظهره الله لكم من آياته وبيناته فتكون الإشارة إلى جميع الآيات والمعجزات التي تقدم ذكرها.
أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً إن الحجارة لو كانت عاقلة ولقيتها هذه الآيات لقبلتها، كما قال:«لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله».
(إن الأحجار ينتفع بها من بعض الوجوه، ويظهر منها الماء في بعض الأحوال، أما قلوب هؤلاء فلا نفع فيها البتة، ولا تلين لطاعة الله بوجه من الوجوه).