بعد أن تحدثت السورة الكريمة في مفتتحها عن المؤمنين، الذين اتصفوا بأكرم صفات الإيمان. وثبت بالكفار الذين محضوا الكفر ظاهرا وباطنا، قلوبا والسنة، انتقلت في هذه الآية إلى الحديث عن الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وأبطنوا خلاف ما أظهروا. وهؤلاء يسمون بالمنافقين، وكانوا أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله، وأمقتهم عنده، لأنهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليسا، وبالشرك استهزاء وخداعا، ولذلك أنزل فيهم:
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ولقد وصف الذين كفروا في آيتين، أما المنافقون فقد وصف حالهم في ثلاث عشرة آية نعى عليهم فيها خبثهم ومكرهم، وفضحهم وسفههم، واستجهلهم واستهزأ بهم، وتهكم بفعلهم، ودعاهم صما بكما عميا، وضرب لهم الأمثال التي تصور حالهم أروع تصوير. وقصة المنافقين عن آخرها معطوفة على قصة الذين كفروا، كما تعطف الجملة على الجملة. يقول الرازي: إنّ المنافق اختص دون الكافر بمزيد أمور منكره (أحدها) أنه قصد التلبيس، والكافر الأصلي ما قصد ذلك، (وثانيها) أن الكافر على طبع الرجال والمنافق على طبع الخنوثة (وثالثها) أن الكافر ما رضي لنفسه بالكذب بل استنكف منه، ولم يرض إلا بالصدق، والمنافق رضي بذلك (ورابعها) أن المنافق ضم إلى كفره الاستهزاء بخلاف الكافر الأصلي، ولأجل غلظ كفره قال تعالى: