الخداع هو الإخفاء، وسميت الخزانة المخدع، والأخدعان عرقان في العنق سميا بذلك لخفائهما. وقالوا خدع الضب خدعا إذا توارى في جحره فلم يظهر إلا قليلا. أما الخداع الخلقي فهو إظهار ما يوهم السلامة والسداد، وإبطان ما يقتضي الإضرار بالغير. وكانت هناك أمور دفعت هؤلاء المنافقين للمخادعة بإظهار الإيمان مع إبطان الكفر. فالمنافقون يمثلون لونا من الأعداء الذين تصدوا للإسلام بعد أن انتقل من مرحلة الضعف إلى القوة. حينما كان المسلمون في مكة، كانوا قلة مستضعفة، ولهذا كان عتاة الكفار من قريش يسخرون بهم ويؤذونهم. ولقد هاجر الرسول الكريم مع المؤمنين من أهل مكة إلى المدينة، وهناك قوي أمر الإسلام إذ وجد من الأنصار مساندة قوية، وأصبح المسلمون هم القوة الغالبة في الموطن الجديد الذي هاجروا إليه. من هنا كان ظهور فئة المنافقين لأسباب متعددة، (أولها) أنهم ظنوا أن النبي والمؤمنين يعظمونهم ويكرمونهم إذا هم أظهروا الإيمان خداعا مع بقائهم على كفرهم (وثانيها) أنهم ربما أرادوا بإظهار الإيمان أن يطلعوا على أسرار النبي والمؤمنين ثم ينقلوها إلى أعدائهم من الكفار. (وثالثها) أنهم دفعوا عن أنفسهم القتال، فالرسول كان يقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (ورابعها) أنهم ربما طمعوا بهذا النفاق في الحصول على شيء من أموال الغنائم.
وأما معنى مخادعة المنافقين لله، وهو العالم بالأسرار، فقد أولها الفخر الرازي على أن المقصود بها مخادعة النبي. وقد وردت آيات يذكر فيها الله ويكون المقصود النبي، حينما يكون الموقف مقتضيا تعظيم شأن الرسول، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ فالرسول وهو المنفذ لإرادة الله، الداعي إلى دينه، كانت مبايعة المؤمنين له مبايعة لله، وكذلك كانت مخادعته من جانب المنافقين مخادعة لله، لأنها ترمي بالنفاق والرياء إلى إحباط دعوة الحق، ومناصرة الشرك.