تمثيل حيرة المنافقين وشدة الأمر عليهم، فهم شبيهون بمن أخذهم المطر الشديد والعواصف القوية، وما يعانيه هؤلاء من شدة التحير والجهل بما يأتون وما يذرون، إذا صادفوا لمحة من البرق انتهزوا ظهورها فخطوا خطوات، برغم خوفهم من أن يخطف البرق أبصارهم، فإذا خفي البرق بقوا واقفين، وجمدوا في مكانهم، ولو شاء الله لزاد في قصف الرعد، فأصم آذانهم وفي ضوء البرق فأعماهم. واستعمال «كلما» مع أضاء لأن الموقف هنا يتضمن الحركة، فهم يتحركون مع كل لمعة برق، لكن يختلف عن ذلك الحال حين يعود الظلام، فلا حركة وإنما جمود، ولهذا صور القرآن الكريم هذا بقوله وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا أي وقفوا ثابتين في مكانهم، فليس في هذه العبارة ذلك التصوير للتحفز للحركة كلما حانت الفرصة لذلك بالتماع البرق.
والمهم أن الآيتين تعبران بالتصوير البياني عن حيرة المنافقين وفزعهم، فهم في هذه الحيرة شبيهون بمن أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق وصواعق.
تدخل هذه السورة الكريمة في مرحلة جديدة بهذه الآية. فبعد أن ذكرت تلك الطوائف الثلاث، وهم المؤمنون والكفار والمنافقون، تبدأ هنا إقامة الدليل على التوحيد والنبوة والمعاد.
يخاطب الله المكلّفين فيذكرهم بنعمته عليهم إذ أوجدهم بعد أن لم يكونوا شيئا، فهم مدينون له بهذا الوجود، وكذلك تدين له الأجيال السابقة من البشر بوجودها. وما دام الإنسان قد توقف وجوده على إرادة الخالق، فلا أقل من أن يكون في حياته ملتزما بطاعته.