إن حرص الرسول الكريم على تسجيل القرآن وحفظه كان عظيما. وقد تجلى هذا الحرص في اتخاذه كتابا للوحي، وإملائه عليهم كل ما كان ينزل عليه، وأمره الصريح للمسلمين ألا يكتبوا عنه شيئا غير القرآن.
ولقد سجّل القرآن الكريم على ما كان ميسورا من أدوات الكتابة كالعسب (جريد النخل)، واللخاف (الحجارة الرقاق)، والأديم والأكتاف (عظام الأكتاف)، والأقتاب (ما يوضع على ظهور الإبل). هذه السجلات المتنوعة كانت أول صورة لجمع الكتاب الكريم. وليس هناك خلاف على أن القرآن كله كان يسجل عقب نزوله، لكن هذا التسجيل لم يجعل في صورة تيسر وضع القرآن بين اللوحين أي في صورة كتاب مجموع بين الدفتين. ولعل تتابع نزول آيات الكتاب، واكتمال سوره على مراحل، وما كان يطرأ على بعض آياته من النسخ هي الأسباب التي أخّرت اتخاذ هذه الخطوة في حياة الرسول صلوات الله عليه.
[جمع أبي بكر القرآن في المصاحف بعد رسول الله:]
لقد جرت الحوادث في عصر أبي بكر، خليفة رسول الله، بما عجل بمهمة جمع القرآن الكريم.
روي عن زيد بن ثابت أنه قال: «بعث إلى أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال: إن عمر بن الخطاب أتاني فقال:
إن القتل قد استحرّ بقراء القرآن يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقال أبو بكر لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
هو والله خير. فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح صدري بما شرح له صدر عمر، ورأيت الذي رأى. قال زيد بن ثابت: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك. قد كنت تكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فتتبع القرآن، فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي من ذلك. قلت: فكيف