فكانت المعجزة المحمدية معجزة تتفق وعصرها وكذلك مع طبيعة البيئة العربية التي كانت إذ ذاك تحفل بالفصاحة وتعتد بالبيان.
يضاف إلى ذلك أن الاسلام يمثل آخر الرسالات السماوية. وقد جاء زمانها حينما كانت البشرية قد بلغت شأوا بعيدا من النضج، في عصر تاريخي متأخر نسبيا. فلم يعد من المقنع القيام بالمعجزات الشبيهة بالسحر، وإنما أصبح الوقت وقت الإقناع بالمنطق والحجة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
يقول القاضي عبد الجبار في كتابه المغنى: «إنه تعالى خص رسوله بالقرآن من حيث ختم به النبوة، وبعثه إلى الناس كافة، وجعل شريعته مؤيدة، لأن غيره من المعجزات كان يجوز أن يدرس على الأوقات (أي يختفي مع الزمن)، ويضعف النقل فيه، وذلك لا يتأتى في القرآن (١)».
ويستدل من قول القاضي عبد الجبار هذا أن القرآن معجزة دائمة لا تنقطع، في حين كانت معجزات الأنبياء السابقين في الزمن على محمد مما حدث وقت دعوتهم ثم انقطع، فلم يشاهده إلا بعض من عاصر هؤلاء الأنبياء، أما القرآن فهو معجزة باقية على الأيام تخاطب العقل والروح.
ومن الثابت بالتواتر أن الرسول تحدى العرب بالقرآن، وأنهم عجزوا عن الإتيان بمثله. وفي القرآن الكريم نصوص تسجل مراحل التحدي. قال تعالى:
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (الاسراء: ٨٨) وتحداهم بعد ذلك بأن يأتوا بعشر سور. قال تعالى: