الشريفة. كان هذا العصر عصر الخلفاء الراشدين، وكلهم كان من صحابة الرسول المقربين، كما أنّ مجتمع المدينة كان حافلا بالصحابة الذين صحبوا الرسول، وأخذوا عنه القرآن وسمعوا أحاديثه، وتعلموا منه فروض الإسلام وشرائعه.
وبقيت الدراسات القرآنية والسنة النبوية تروى مشافهة في العصر الأموي. لم يجد صحابة الرسول ضرورة لتسجيل هذه الدراسات، وكل ما حرصوا عليه كان جمع القرآن وكتابته في مصحف. بدأ هذا الجمع في عصر أبي بكر، ثم انتهى الأمر إلى جمع المسلمين على مصحف إمام في عصر عثمان بن عفان، كما سيرد في دراستنا لجمع القرآن وتدوينه. لكن الدراسات القرآنية، بقيت كلها- شأنها شأن سائر العلوم- تلقن بطريق المشافهة، وتنتقل بالرواية من جيل إلى جيل. جرى ذلك في أول الأمر على يد
الصحابة، ثم جاء بعدهم جيل التابعين، ومن أشهرهم مجاهد، وعطاء، وعكرمة، وقتادة، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وزيد بن أسلم.
وجاء بعد التابعين جيل آخر يعرف بتابعي التابعين ومن هؤلاء مالك بن أنس، صاحب المذهب المالكي في الفقه.
وحين جاء عصر التدوين ألفت الكتب في مختلف الدراسات القرآنية، فسجلت روايات بعض التابعين في تفسير القرآن الكريم، كما ألفت الكتب في معاني القرآن ومشكله ومجازه، فمنها معاني القرآن للأخفش، ومعاني القرآن للرؤاسي ومعاني القرآن ليونس بن حبيب، ومعاني القرآن للمبرد، ومعاني القرآن لقطرب النحوي ومعاني القرآن للفراء ومعاني القرآن لأبي عبيدة، وغير ذلك كثير.
وممن ألف في غريب القرآن أبو عبيدة وابن قتيبة وأبو عبد الرحمن اليزيدي ومحمد بن سلام الجمحي، وكثير غيرهم. وألفت الكتب أيضا في قراءات القرآن ونقطه وشكله، وفي الوقف والابتداء، وفي المتشابه، والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك من الدراسات القرآنية. وكانت كل دراسة تسمى باسمها، فلم يظهر اصطلاح علوم القرآن إلا في وقت متأخر.
ففي القرن السادس الهجري ألف ابن الجوزي المتوفي عام ٥٩٧ كتابين هما