أنها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه، وذلك لأن الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي، والغائب بالشاهد، فيتأكد الوقوف على ماهيته، ويصير الحس مطابقا للعقل، وذلك هو النهاية في الإيضاح ... ... ولهذا أكثر الله تعالى في كتابه المبين، وفي سائر كتبه أمثاله. قال تعالى:
وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ.
مثل هؤلاء المنافقين كمثل رجل تائه في ظلمات البيداء استوقد نارا يهتدي بها، فلما أضاءت ما حوله أطفأها الله. لقد كان هؤلاء المنافقون حيارى يتخبطون، فتظاهروا بالإيمان ليسلموا من القتال ويحققوا المغانم، فكان فعلهم هذا كفعل التائه الذي استوقد نارا، وما كادوا يركنون إلى هذا الوضع الزائف حتى فضحهم الله وكشف أمرهم، وذهب بنورهم الذي استوقدوه- بإظهار الإيمان- وتركهم كما كانوا حيارى في ظلمات جهلهم وضلالهم يتخبطون.
أما تشبيه الجماعة بالواحد في هذا المثل فيمكن أن يؤول على وجوه متعددة:
(أولها) أن يكون المراد جنس المستوقدين، أو أريد الجمع أو الفوج الذي استوقد نارا. (وثانيها) أن المنافقين وذواتهم لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد، وإنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد ومثله قوله تعالى: