وجعل الظلمات والنور. وثالثها: أن يأتي بمعنى أفعال المقاربة نحو جعل زيد يفعل كذا.
والآية تصور حالة الخوف والفزع والقلق التي كان يحياها هؤلاء المنافقون، في موقف كانت تنفعهم فيه الاستقامة لو سلكوا سبيلها.
وجميع المفسرين يكادون يجمعون على أن هذه الآية تتضمن تشبيه تمثيل لأحوال المنافقين على النحو التالي:
إن المراد من الصيّب هو الإيمان والقرآن. أما الظلمات والرعد والبرق فهي الأمور الشاقة على المنافقين مثل التكاليف من صيام وصلاة، وترك الرئاسات، والجهاد مع الآباء والأمهات، وترك الأديان القديمة، والانقياد للنبي مع شدة استنكافهم عن الانقياد له. فكما أن الانسان يبالغ في الاحتراز عن المطر الصيب الذي هو أشد الأشياء نفعا بسبب ما يقترن به من ظلمات ورعد وبرق، فكذا المنافقون يجتنبون الإيمان والقرآن بسبب هذه الأمور التي تقترن بهما.
وفي الآية تصوير لهول المطر وما اقترن به من ظلمات متراكمة، وما تخلله من رعد يبث الفزع في النفوس، وبرق يخطف الأبصار ثم يتركهم في ظلمة لا يبصرون، والظلام بعد النور أقسى من الظلمة المستمرة، إذ يترك البصر أكثر عجزا عن اختراق جدار الظلام. وهؤلاء المنافقون يسلكون سلوكا أحمق، يظنون أنه ينجيهم، إذ يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت، فهذا التصرف لا ينجي، كذلك هم حسبوا أن التظاهر بالإيمان ينجيهم من أخطار الكفر، وما كان ينتظر الكافرين من قتال وموت، ونسوا أن الله محيط بالكافرين.
ومعنى أنه محيط بالكافرين يقبل التأويل على وجهين: أحدهما: أنه عالم بهم.