ما لم يكن معلوما لهم، وذلك بأن علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم عليهم ليظهر بذلك كمال فضله، وقصورهم عنه في العلم، وهكذا يتأكد ذلك الجواب الإجمالي بهذا الجواب التفصيلي.
وقد أثار تفسير هذه الآية بعض المشكلات الفكرية. من ذلك مثلا أن بعض المتكلمين وهم الأشعري والجبائي والكعبي ذهبوا- على أساس هذه الآية- إلى أن اللغات توقيفية، وأن الألفاظ كانت موجودة قبل خلق آدم، وأن الله هو الذي علم الإنسان اللغات. وهذا تأويل بعيد، لا يمكن أن يستقر على قاعدة متينة من الواقع.
وخير من ذلك أن يقال إن معنى تعليم الله إياه أن يخلق فيه إذ ذاك بموجب استعداده علما ضروريا تفصيليا بأسماء جميع المسميات وأحوالها وخواصها اللائقة بكل منها، فيتلقاها آدم بمقتضى استعداده وقدرته العقلية، وقابليته الفكرية.
وهناك تفسير صوفي يذهب إلى أن تعليم الأسماء تضمن علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.
كذلك هناك تفسير فلسفي يفسر تعليم آدم الأسماء بأن الله خلقه من أجزاء مختلفة وقوى متباينة مستعدا لإدراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات والمتخيلات والموهومات وألهمه معرفة ذوات الأشياء وأسمائها وخواصها وأصول العلم وقوانين الصناعات وتفاصيل آلاتها، وكيفيات استعمالها.
ومهما يكن فإن الله قد حبا آدم بعلم لم يكن للملائكة عهد به، وجعله في موقف القدرة على مواجهة حياته التي يسرها له الخالق. ومن أهم ما يمتاز به الإنسان قدرته على الرمز للأشياء بأسماء يصطلح عليها، وهذه القدرة أساس من أسس العلم الإنساني. أما نوع العلم الذي تلقاه آدم، وهل كان ألفاظا لغوية أم إلهاما فكريا، وما نوع اللغة التي خاطب الله بها الملائكة، فهذا مما لم يفصله القرآن، فكل تفسير يذكر في هذا الصدد إنما هو من قبل التخمين والرجم بالغيب.
وحسبنا أن نقول إن الله خلق في آدم قدرة على معرفة الأشياء وتمييزها، والرمز إليها بأسماء، وكانت هذه القدرة هي الأساس الأول للمعرفة الإنسانية.