فهذه الآية تدعو اليهود إلى الإيمان بما أنزل الله على محمد من رسالته التي جاءت مصداقا لما أنزل عليهم. إن ما في القرآن من دعوة للتوحيد جاءت مصداقا لما أنزل عليهم من قبل. كما أن في التوراة ذكرا لظهور النبي وبشارة بقدومه، فكان ينبغي على اليهود- وهم من أهل والكتاب والتوحيد- ألا يكونوا أول الكافرين به. ولقد كان اليهود وغيرهم من أهل الكتاب يبشرون بين العرب بظهور النبي ويستفتحون به، فلما بعث كان أمرهم على العكس. قال تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ.
وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا الاشتراء يوضع موضع الاستبدال، وكذا الثمن يوضع موضع البدل والعوض عنه، فإذا اختير على ثواب الله شيء من الدنيا فقد جعل ذلك الشيء ثمنا عند فاعله. قال ابن عباس: إن رؤساء اليهود مثل كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وأمثالهما كانوا يأخذون من فقراء اليهود الهدايا، وعلموا أنهم لو اتبعوا محمدا لانقطعت عنهم تلك الهدايا، فأصروا على الكفر لئلا ينقطع عنهم ذلك النفع المادي. فقيمة مثل هذا النفع المادي قليلة جدا بالنسبة للإيمان وثوابه، ومن هنا وصف إعراض أشراف اليهود عن الإيمان من أجل هدايا أتباعهم شراء للثمن القليل بآيات الله. وكذلك روي أن علماء اليهود كانوا يأخذون الرشا من أجل كتمان أمر الرسول، وتحريف آيات التوراة التي تبشر بظهوره.
وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ يقرب معناه مما تقدم من قوله وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ والفرق أن الرهبة عبارة عن الخوف، واما الاتقاء فإنما يحتاج إليه عند الجزم