كان اليهود بعد التيه باحثين عن الاستقرار فأمروا بأن يدخلوا القرية. والقرية المذكورة هنا لم يعرف تحديدها من نص القرآن الكريم، وقال المفسرون إن المقصود بها بيت المقدس، وقيل المقصود أريحا. ومهما يكن الأمر، فإن هؤلاء اليهود كانوا في ذلك الوقت جماعة من الساميين الذين يتجولون في مناطق من سيناء أو العقبة، باحثين عن موضع يستقرون فيه، شأنهم شأن غيرهم من الجماعات السامية التي كانت تتجول في تلك الأزمنة القديمة، باحثة لها عن موضع تستقر فيه، وكانت الشعوب السامية متشابهة النشأة متقاربة التراث. وقد أمروا بأن يسكنوا إحدى القرى ولا بد أن قادتهم عينوا لهم الموضع المقصود.
فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً دعوة لهم لاستئناف حياة جديدة بعد محنة التشرد في البلاد، فأتيح لهم أن يعيشوا مستقرين كغيرهم من الناس، وأن يأكلوا من ثمرات الأرض.
وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً دخول الباب ساجدين هنا يعني دخولهم القرية متواضعين خاضعين لله تائبين من ذنوبهم. وقد أجهد بعض المفسرين أنفسهم في تفسير معنى دخول الباب ساجدين، فمنهم من قال إن باب القرية كان صغيرا فوجب السجود للدخول فيه، ومنهم من قال إن المقصود هو الركوع لا السجود، ثم تحيروا في التوفيق بين السجود وبين التحرك للدخول، وكل هذا مما لا طائل وراءه، ولا حاجة بنا إلى القول به. وكفانا أن نفهم أن السجود هنا كناية عن الخضوع لله، ومثل هذا الخضوع كان ضروريا لهم بعد ما اقترفوا من الذنوب، كذلك كان ضروريا لهم ليحسن استقرارهم مع غيرهم في مناطق هجرتهم، فالتعالي والغرور اللذان كانا من صفات اليهود حيثما استقروا، كثيرا ما سببا لهم سخط الناس عليهم، وجعلهم عنصرا بغيضا في كل أرض هاجروا إليها.