وقد رأى مجاهد أن المسخ لم يقع على صور الآدميين بل إن الله مسخ قلوبهم ولم يمسخ صورهم، وهو مثل قوله تعالى:
كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً ونظيره أن يقول الأستاذ للمتعلم البليد الذي لا ينجح: كن حمارا. واحتج على امتناع المسخ الجسدي بأمرين:
الأول: أن الانسان هو هذا الهيكل المشاهد والبنية المحسوسة، فإذا أبطلها وخلق في تلك الأجسام تركيب القرد وشكله، كان ذلك إعداما للإنسان وإيجادا للقرد، فيرجع حاصل المسخ على هذا القول إلى أنه تعالى أعدم الأعراض التي باعتبارها كانت تلك الأجسام إنسانا، وخلق فيها الأعراض التي باعتبارها كانت قردا، فهذا يكون إعداما وإيجادا، ولا يكون مسخا.
الثاني: لو جوزنا ذلك لما أمنا في كل ما نراه قردا أو كلبا أنه كان إنسانا عاقلا، وذلك يفضي إلى الشك في المشاهدات.
وقد رد على هذين بأن هيكل الإنسان قابل للتغيير من النحف إلى الضخامة، فالهيكل ليس جوهر الإنسان، ومن ثم فلا استحالة لتغييره بالقدرة الخالقة التي تقول للشيء كن فيكون.
ومن الطريف أن البحث لم يقف عند هذا بل تطرق إلى موضوعات مختلفة، منها أثر المسخ على الفهم والإدراك وهل وقع المسخ على الجسم فقط أم على الفهم والإدراك. وقال البعض إن المسخ لو وقع على الجسم وكذلك على الفهم والإدراك لم يكن هناك عذاب، لأن القردة الحقيقية لا تتعذب من طبيعتها، وهنا تصدى البعض فقال إن المسخ قد وقع على الجسد وبقي الإدراك سليما حتى يخجل هؤلاء الناس مما اقترفوه، ويدركوا ما نالهم من العقاب.
وحرص المفسرون أيضا على بيان أن هذه القردة لم تتناسل، بل هلكت بعد ثلاثة أيام، حتى لا يقال بأن من القردة ما ولد لآدميين.