وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ، وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا في هاتين الآيتين الكريمتين إشارات إلى اعتراض الكفار على نزول القرآن مفرقا، ورد عليهم يبين ألوانا من الحكمة الكامنة وراء هذا الأمر.
ففي الآية الأولى إشارة إلى أن الله كان رفيقا برسوله وبالمؤمنين، فأنزل القرآن مفرقا ليسهل على الرسول حفظه، وليقرأه على الناس على مكث، قراءة المتأني، حتى يستطيعوا حفظه واستيعابه. إن آيات القرآن الكريم قد حوت من الحكم العالية والأسرار والتشريع ما لا يسهل استيعابه لو نزل القرآن دفعة واحدة. ومن هنا جعل التنجيم مجال الحفظ والتدبر واسعا أمام الرسول الكريم، وصحبه الذين كانوا يكتبون ما يوحى إليه ويحفظونه. ولقد كان الكتاب في المجتمع العربي الناشئ قلة نادرة، كما أن أدوات الكتابة كانت قليلة. فكيف كان مثل هذا المجتمع يستطيع تسجيل القرآن وحفظه لو نزل عليهم دفعة واحدة.
أما الآية الثانية فتبين أن نزول القرآن مفرقا إنما كان لتثبيت قلب الرسول، فكم كان يلقى من عنت المشركين في مكة إبان سنوات الدعوة. ولقد ظل ثلاثة عشر عاما يدعو قومه إلى الإيمان، فلم يؤمن به إلا القلة، مما اضطره إلى الهجرة إلى المدينة. وفي المدينة قضى أعواما كلها كفاح ضدّ الكفر والشرك، وحفلت بغزوات كان الكثير منها مجهدا، اقتضى من الرسول عملا دائبا، وسعيا لا يلين من أجل إحقاق الحق ورفع كلمة الله.
إن الرسول وأصحابه في سنوات الدعوة التي انقضت قبل الهجرة كانوا في أشد الحاجة إلى ما يثبت قلوبهم أمام ما كانوا يلقون من عنت واضطهاد. ونرى كثيرا من الآيات الكريمة يتحدث عن تثبيت قلوب المؤمنين. ومن الطبيعي أنهم كانوا بحاجة إلى ما يقويهم أكثر من صاحب الرسالة، معلمهم وهاديهم. قال تعالى: