واحد، عين مدرسا للأدب والتاريخ العربي بمدرستي الألسن ودار العلوم؛ ولكن لحرية فكره، وجرأة كلمته، ومجاهرته بدعوة الإصلاح، فصل من عمله ولزم بلده فترة. ثم احتيج إليه ليشرف على إصلاح لغة الوقائع المصرية، ثم أصبح رئيسا لتحريرها، وسارت به كفاءته إلى أن غدا مراقبا على كتابة الجرائد وتحريرها.
وحين نمت مبادئ الأفغاني، وزكت دعوته في القلوب، شبت الثورة العرابية، وكان الشيخ محمد عبده من مشايعيها، والمحركين لها، ولقد أفتى بخلع الخديوي فنفي من مصر وذهب إلى سوريا- لبنان- وأقام في بيروت، وتولى التدريس في مدارسها- وفي بيروت ألف رسالته المشهورة- رسالة التوحيد، ثم التحق بالسيد جمال الدين الأفغاني بباريس، وأنشأ معه جريدة العروة الوثقى ..
ثم عفا الخديوي عنه، وعاد لمصر وعين قاضيا بالمحاكم الأهلية، وبقي مثالا للقاضي النزيه، الصحيح النظر والحكم، حتى عين مفتيا للديار المصرية عام ١٣١٧ هـ وتولى التدريس بالأزهر، وبقي على ذلك حتى وافته منيته عام ١٣٢٣ هـ- ١٩٠٥ م.
والإمام محمد عبده، يعتبر من اكبر المصلحين الاسلاميين في العصر الحديث، فقد سلط من فكره ضياء على أباطيل البدع والأضاليل فبددها، وكشف للناس جوهر الاسلام ناصعا بعد أن غشيته سحب كثيفة من ظلمات الجهل، ووقف ببصيرة نفاذه يوفق بين العلم والدين كما فعل من قبله ابن سينا وابن رشد، وأخذ يفسر كتاب الله على ضوء من العلم والمعرفة والعقل، وكتب رسالة التوحيد ببلاغة متمكنة تقرب العقائد من الأفهام، وتخلص النفوس من الأسقام، وتصدى للمبشرين بسيف الحق، يرد كيدهم ويقطع السبيل على مفترياتهم، وكتاباه «الاسلام والرد على منتقديه» و «الاسلام والنصرانية» من أقوى ما كتب في هذا المجال.
لقد كان- رحمه الله- من الأخيار الذين يصطفيهم الله على فترات من