من هنا يتبين لك أن الآية الكريمة التي وردت في سورة الأنعام، لا تحصر ما حرّم أكله، ومع ذلك يفهم من لفظها معنى الحصر. ودفع الحصر يستفاد من سبب نزول هذه الآية، فقد نزلت بسبب أولئك الكفار الذين أبوا إلا أن يحرموا ما أحل الله ويحلوا ما حرم. فنزلت الآية بهذا الحصر محادة للكفار ناقضة لقولهم، ولم تقصد إلى حقيقة الحصر، أي حصر المحرمات من الأطعمة فيما ذكرته الآية، لأنها لا تنحصر فيما ذكر، كما بينا. فكأنه تعالى يقول للكافرين:«لا حرام إلا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به».
فهذه أمثلة توضح لنا أهمية معرفة أسباب النزول في فهم معاني القرآن الكريم واستنباط أحكامه.
وهناك أبحاث لعلماء أصول الفقه عن «عموم اللفظ» وخصوص السبب، أي ما نزل من القرآن الكريم بلفظ عام في سبب خاص، وهل العبرة بعموم اللفظ، أو بخصوص السبب. وقد اختلفوا حول هذه المسائل، وهذا البحث وأمثاله مما اقتضاه عمل الأصوليين، لأن مهمة هؤلاء الاستدلال بألفاظ الشارع على الأحكام. وصلة هذا بموضوع أسباب النزول هي كيفية الإفادة من هذه الأسباب في استنباط الأحكام.
فهناك آيات نزلت في مناسبات خاصة بألفاظ عامة، مثل آيات «الظّهار»(المجادلة: ١ - ٤)، واللعان (النور: ٦)، والقذف (النور: ٤).
فأسباب نزول هذه الآيات كانت في مناسبات خاصة لكنّ لفظها كان عاما.
ولقد عممت أحكامها لعموم لفظها. وقال بعض الأصوليين الذين يذهبون إلى أن العبرة بخصوص السبب أن تعميم الحكم في هذه الآيات ليس مصدره عموم اللفظ، بل قام على أدلة أخرى.
وهناك حالات نزل فيها القرآن في مناسبات بلفظ عام وقصر حكمه على المناسبات الخاصة التي نزل فيها.