جاز أن يكتب بالحروف الكوفية، والخط الأول، وأن يجعل اللام على صورة الكاف، وأن تعوّج الألفات، وأن يكتب على غير هذه الوجوه. وجاز أن يكتب المصحف بالخط والهجاء القديمين، وجاز أن يكتب بالخطوط والهجاء المحدثة، وجاز أن يكتب بين ذلك.
وإذا كانت خطوط المصاحف، وكثير من حروفها مختلفة متغايرة الصورة، وكان الناس قد أجازوا ذلك، وأجازوا أن يكتب كل واحد منهم بما هو عادته، وما هو أسهل وأشهر وأولى، من غير تأثيم ولا تناكر، علم أنه لم يؤخذ على الناس في ذلك حد محدود مخصوص، كما أخذ عليهم في القراءة والأذان ...
وبالجملة فكل من ادعى أنه يجب على الناس رسم مخصوص وجب عليه أن يقيم الحجة على دعواه، وأنّى له ذلك».
ولقد طبع المصحف الشريف في العصر الحديث بإشراف لجنة من العلماء المصريين، عنيت كل العناية بوجوب موافقة المصحف المطبوع للرسم القديم.
ولا يزال هذا المصحف محتفظا بكل أصول الرسم القديم. ولقد لقيت مشكلة طباعة المصحف وفق قواعد الهجاء الحديث عناية من بعض علماء العصر. ومنهم من رفض ذلك رفضا باتا، مستندا إلى ما نقل عن السلف من تقديس لرسم المصحف، كما ورثناه عن عصر عثمان. ومنهم من نادى بأن من الواجب أن ييسر كتاب الله. وألا نتمسك برسم لم تقم على ضرورة التمسك به نصوص من كتاب ولا سنة.
إن عصرنا هذا قد أصبح عصرا قارئا، والقرآن الكريم يقع في أيدي كثير من الناس قد لا يكونون على صلة بالحفاظ. وهم يقرءونه على قدر اجتهادهم.
والسبيل الوحيد لضبط القراءة هو الطباعة وفق الإملاء الحديث. وكثير من الأبحاث تتضمن نقولا من القرآن الكريم. ويكاد يجمع الباحثون الذين يقتبسون آيات الكتاب الكريم ليستشهدوا بها على نقل هذه الآيات إلى الهجاء الحديث. ولا أحسب أن هذا الأمر قد لقي معارضة تذكر. لكن طباعة المصحف بالهجاء الحديث لا تزال موضع خلاف، يقف بها حتى الآن عند الرسم القديم.