وكانت كتابة المصحف- بناء على توجيه عثمان- بلغة قريش، وذلك حين أوصى كتبة المصحف بقوله:«إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم». وقد سبق أن ذكرنا أن الأحرف السبعة أو اللغات السبعة لم تكن تعني أن كل كلمة من المصحف كانت تقرأ بسبعة أوجه، وإنما كان الخلاف في مواضع محدودة.
كان هذا الاختلاف بين لهجات القراء في عهد الرسول من الأسباب التي تولّد منها اختلاف القراءات على مر الزمن.
وهناك سبب قوي لظهور القراءات، أن مصحف عثمان كتب بغير نقط ولا شكل، وظل كذلك حتى عصر عبد الملك بن مروان، حين قام الحجاج بن يوسف الثقفي بالإشراف على نقط المصاحف، وذلك بأن عهد بهذا الأمر إلى من كان خبيرا به من علماء عصره، كما ذكرنا. وهكذا خطا المصحف خطوة جديدة نحو ضبط الرسم. ومع ذلك فقد كانت الفترة التي بقي بها المصحف بدون نقط ولا شكل مصدرا من مصادر اختلاف القراءات.
ونحن اليوم نسمع كثيرا عن القراءات السبع أو القراءات العشر. ونسمع قليلا عن القراءات الأربعة عشر. ولكن ليس معنى هذا أن عدد أئمة القراء كان منذ أقدم العصور محصورا في سبعة أو عشرة أو أربعة عشر. بل الأمر كان غير ذلك، وكان عدد القراءات أكثر من ذلك بكثير.
ومن أوائل من ألف في علم القراءات أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفي سنة ٢٢٤ هـ. وقد أحصى من القراءات نحوا من خمس وعشرين قراءة وكتب غيره كتبا في القراءات زاد فيها هذا العدد أو نقص منه حتى جاء أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد في خاتمة القرن الثالث فجمع قراءات أئمة سبعة هم عبد الله بن كثير في مكة، ونافع بن أبي رويم في المدينة، وأبو عمرو بن العلاء في البصرة وعاصم بن أبي النجود، وحمزة بن حبيب الزيات، وعلى الكسائي في الكوفة، وعبد الله بن عامر في الشام. ومن بعد ابن مجاهد جاء من زاد عدد القراء إلى عشرة