للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه دعاوى عارية من الصحَّة ولا مستند لها بل هي مصادمة لمنهج الأنبياء في بيان التوحيد.

يقول ابن القيم: "أفضل صفوة الرَّب تعالى: الأنبياء، وأفضلهم: الرُّسُل، وأفضلهم: أولو العزم، وأفضلهم: الخليلان عليهما الصلاة والسلام، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، والذي ألاحه الله إلى أسرارهم من ذلك هو أكمل توحيد عرفه العباد، ولا أكمل منه، وليس وراءه إلا الشطح والدعاوى والوساوس، وهم -صلوات الله وسلامه عليهم- قد تكلَّموا بالتوحيد وأوضحوه وقرروه، بحيث صار في حيِّز التجلِّي والظهور والبيان، فعقلته القلوب، وحصَّلته الأفئدة، ونطقت به الألسنة، وأوضحته الشواهد، وقامت عليه البراهين، ونادت عليه الدلائل، ولا يمكن أحدٌ أن ينقل عن نبيٍّ من الأنبياء، ولا وارث نبيٍّ داع إلى ما دعا إليه أنه يعلم توحيدًا لا يمكنه النطق به، وأنَّ الله سبحانه أخرسه عن نطقه وأعجزه عن بثِّه، بل كلُّ ما علمه القلب أمكن اللسان التعبير عنه، وإن اختلفت العبارة ظهورًا وخفاءً، وبين ذلك، وقد لا يفهمه إلا بعض الناس، فالناس لم تتفق أفهامهم لما جاءت به الرُّسُل.

كيف يقال: إنَّ أعرف الخلق وأفصحهم وأنصحهم عاجزٌ أن يبيِّن ما عرفه الله من توحيده، وأنَّه عاجزٌ عن بثِّه؟ فما هذا التوحيد الذي عجزت الأنبياء والرُّسُل عن بثِّه، ومنعوا من النُّطق به، وعرفه غيرهم؟ " (١).

ولهذا كان مسلك أهل السُّنَّة والجماعة في بيان إثبات توحيد الربوبية مسلكًا شرعيًّا من القرآن والسُّنَّة، وهي طريقة منهج الأنبياء ومن سار على نهجهم من العلماء بخلاف ما اعتقده ابن عجيبة.


(١) مدارج السالكين ٣/ ٥٣٥ - ٥٣٦.

<<  <   >  >>