للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكر ابن عجيبة أنَّ مقدار ما بين النفختين أربعون سنة (١)، والصحيح أنه لم يرد في ذلك نصٌّ ثابتٌ بتقديرها، بل الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - يدلُّ على عدم علمه بها، فعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: بين (ما بين) النفختين أربعون قالوا: يا أبا هريرة أربعون يومًا قال: أبَيْتُ، قال: أربعون سنة قال: أبَيْتُ، قال: أربعون شهرًا قال: أبَيْتُ ... " (٢).

فقول أبي هريرة لما قيل له أربعون سنة: (أبَيْتُ) بالموحَّدة ومعناه: امتنعت من تبيينه؛ لأنِّي لا أعلمه فلا أخوض فيه بالرأي (٣)، وذكر ابن حجر - رحمه الله - عدم صحَّة النصوص التي ورد فيها تحديد مقدار ما بين النفختين، فقال: "وقد جاء أن بين النفختين أربعين عامًا قلتُ: وقع كذلك في طريق ضعيف عن أبي هريرة في تفسير بن مردويه، وأخرج بن المبارك في الرقائق من مرسل الحسن (بين النفختين أربعون سنة الأولى يميت الله - عز وجل - بها كل حي، والأخرى يحيي الله - عز وجل - بها كل ميت)، ونحوه عند ابن مردويه من حديث ابن عباس وهو ضعيف أيضًا، وعنده أيضًا ما يدلُّ على أنَّ أبا هريرة لم يكن عنده علم بالتعيين فأخرج عنه بسندٍ جيد أنه لما قالوا: أربعون ماذا؟ قال هكذا سمعت" (٤).

خامسًا: الحشر وأهل الموقف

بيَّن ابن عجيبة الحشر وأهواله في كثيرٍ من الآيات، فقال في تفسير قول الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} (٥): "و (حشرناهم):


(١) البحر المديد ٣/ ٣٥٠.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب ونفخ في الصور، ٣/ ٢٨٥، رقم ٤٨١٤.
(٣) ينظر: فتح الباري ١١/ ٣٧٠.
(٤) المرجع نفسه ١١/ ٣٧٠، وينظر: مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار ٢/ ٨.
(٥) سورة الكهف: ٤٧.

<<  <   >  >>