للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: خلق الملائكة]

قال ابن عجيبة: "اعلم أنَّ الخمرةَ الأزليَّةَ حين تجلَّت في مرائي جمالها تلوَّنت في تجلياتها، فتجلَّت نورانيَّة، وناريَّة، ومائيَّة، وترابيَّة وسماويَّة، وهوائيَّة، إلى غير ذلك من أنوار تجلياتها، فكانت الملائكة من النُّور، والجنُّ من النَّار، والآدميُّ من التراب" (١).

وقد تأثَّر ابن عجيبة في قوله بالفلاسفة القائلين بأزلية المادَّة، وجعل مواد الخلق كله واحدة تعود لأصلٍ أزليٍّ واحد، وهذا من تعطيل الله - عز وجل - عن خلقه وقدرته - سبحانه وتعالى - وجحد لربوبية الله تعالى عن خلقه، تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.

ويبدو أنه متأثر أيضًا بآراء المبتدعة في بدعة وحدة الوجود في القول بأزلية المادة.

فالخمرة الأزلية هي الحبُّ الإلهي، فيبين حقيقتها بقوله: "وهذه الخمرة ... هي اختمار القلوب بأنوار المحبوب، فيحتجب عن الأغيار برؤية الواحد القهَّار، وقد كانت هذه الخمرة في القدر الأوَّل ظاهرة أنوارها، بادية أسرارها على أربابها، فيتداولونها بينهم، ويتكلَّمون عليها بألطاف العبارات، وأنواع الإشارات، ثم اندرست، وقلَّت فخفيت أنوارها وبطنت أسرارها ... وحجب ذلك السر في قلوب أوليائه" (٢).

ثم يشرع في وصف هذه الخمرة، فيقول: "والحاصل: أنَّ الحقَّ جلَّ جلاله كان في سابق أزله ذاتًا مقدَّسة، لطيفةً خفيَّةً عن العقول، نورانيةً متصفةً بصفات الكمال، ليس معها رسوم ولا أشكال، ثم أظهر الحقُّ تعالى قبضة من نوره حسيَّةً معنوية؛ إذ لا ظهور للمعنى إلا بالحس، فقال: كوني محمَّدًا، فمن جهة حسِّها


(١) البحر المديد ٣/ ٨٦.
(٢) شرح خمرية ابن الفارض, ص ٦١.

<<  <   >  >>