للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابتلاء دون الأمر الذي أراد الله - عز وجل - إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه وتلَّه للجبين فداه بالذبح العظيم.

وقد بعث الله - عز وجل - الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم - عليه السلام - ولم يعرفهم حتى أوجس منهم خيفة وكمجيء جبريل - عليه السلام - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام فلم يعرفه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حتى ولَّى.

فكان مجيء ملك الموت إلى موسى - عليه السلام - على غير الصورة التي كان يعرفه موسى - عليه السلام - عليها، وكان موسى غيورًا فرأى في داره رجلًا لم يعرفه فشال يده (١) فلطمه فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصُّورة التي يتصور بها لا الصورة التي خلقه الله عليها.

ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، أو الناظر إلى بيته بغير أمره من غير جناح على فاعله ولا حرج على مرتكبه ... كان جائزًا اتفاق هذه الشريعة بشريعة موسى بإسقاط الحرج عمَّن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحًا له، ولا حرج عليه في فعله.

فلمَّا رجع مَلَك الموت إلى ربه وأخبره بما كان من موسى فيه، أمره ثانيًا بأمرٍ آخر أمر اختبار وابتلاء كما ذكرنا قبل، إذ قال الله له: قل له: إن شئتَ فضع يدك على متن ثور فلك بكلِّ ما غطَّت يدك بكلِّ شعرةٍ سَنَة، فلمَّا علم موسى كليم الله صلى الله على نبيِّنا وعليه أنه مَلَك الموت وأنه جاءه بالرِّسالة من عند الله طابت نفسُه بالموت ولم يستمهل وقال: فالآن.

فلو كانت المرَّة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت لاستعمل ما استعمل في المرَّة الأخرى عند تيقُّنه وعلمه به" (٢).


(١) شال الرجل يده: أي رفعها. ينظر: المعجم الوسيط ١/ ٥٠١.
(٢) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، باب بدء الخلق، ١٤/ ١١٢، وينظر: فتح الباري ٦/ ٤٤٢.

<<  <   >  >>