للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني: السُّنَّة

السُّنَّة النبوية هي المصدر الثاني للاستدال عند المسلمين, وقد استدلَّ بها ابن عجيبة في جوانب كثيرة، ولكنَّه خالف أهل السُّنَّة والجماعة في الاستدلال بها من أربع جهات:

الجهة الأولى: أدلة الكتاب والسُّنَّة ليست يقينيَّة، بل ظنيَّة

قال ابن عجيبة: "إن غاية العلوم الكسبية النقلية الظن القوي، أما علوم الحقائق فهي يقين" (١).

ورأيه بأن الأدلة الكسبية ظنيَّة والحقيقة يقين، زعم باطل، وافق فيه المتكلمين وأهل البدع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " ... ويزعم قومٌ من غالبية أهل البدع أنه لا يصح الاستدلال بالقرآن والحديث على المسائل القطعية مطلقًا، بناءً على أنَّ الدلالة اللفظية لا تفيد اليقين بما زعموا، ويزعم كثير من أهل البدع أنه لا يستدل بالأحاديث المتلقاة بالقبول على مسائل الصفات والقدر، ونحوهما مما يُطلب فيه القطع واليقين" (٢).

ومن المعلوم أنَّ دلالة الأدلة اللفظية لا تختصُّ بالقرآن والسُّنَّة، بل جميع بني آدم يدل بعضهم بعضًا بالأدلة اللفظية والإنسان حيوان ناطق، فالنطق ذاتيٌّ له، وهو مدنيٌّ بالطبع لا يمكن أن يعيش وحده كما يعيش الوحش، بل لا يمكنه أن يعيش إلا مع بني جنسه، فلا بدَّ أن يعرف بعضهم مراد بعض، ليحصل التعاون، فعلَّمهم الحكيم العليم تعريف بعضهم بعضًا مراده بالألفاظ، كما قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ


(١) الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية، ص ٢٧٧.
(٢) قاعدة في المعجزات والكرامات، ص ١٨ - ١٩، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل.

<<  <   >  >>