للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (١) فكانت حكمة ذلك التعليم، تعريف مراد المتكلم، فلو لم يحصل له المعرفة كان في ذلك إبطال لحكمة الله، وإفساد لمصالح بني آدم، وسلب الإنسان خاصيته التي ميَّزه بها على سائر الحيوان، وهذه الطريقة يستدل بها من وجوه:

١ - أن قول القائل الأدلة اللفظية التي جاء بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا تفيدنا علمًا ولا يقينًا من أعظم أنواع السَّفسطة (٢)، وهؤلاء شرٌّ من اللا أدرية (٣) وشرٌّ من الباطنية، فأهل العلم بالكتاب والسُّنَّة متيقنون لمراد الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - جازمون به معتقدون لموجبه اعتقادًا لا يتطرَّق إليه شكٌّ ولا شبهة، أمَّا المتكلمون الذين عدلوا عن الاستدلال بالأدلة السمعية إلى الأدلة العقلية فهم مختلفون متحيرون تناقضت أقوالهم واضطربت فهومهم (٤).

٢ - أنَّا نعلم قطعًا أن جميع الأمم يعرف بعضهم مراد بعض بلفظه ويقطع به ويتيقنه فقول القائل: الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين قدح في العلوم الضرورية التي اشترك الناس في العلم بها (٥).

٣ - أنَّ الطفل أول ما يميز يعرف مراد من يربيه بلفظه قبل أن يعرفه شيئًا من العلوم الضرورية فلا أقدم عنده ولا أسبق من تيقنه لمراد من يخاطبه بلفظه فالعلم


(١) سورة البقرة: ٣١.
(٢) السَّفسطة: قياسٌ مركَّبٌ من الوهميات، والغرض إفحام الخصم وإسكاته. ينظر: التعريفات، للجرجاني، ص ١١٨ - ١١٩، المعجم الوسيط ١/ ٤٣٣.
(٣) اللا أدرية: سموا بذلك نسبةً إلى قولهم لا أدري، وتُطلق عند المحدثين على إنكار قيمة العقل وقدرته على المعرفة، وهم يرون التوقف عن العلم وعن الحكم، فمذهبهم قام على التجاهل، وتطلق على المذاهب الفلسفية التي تقول بعجز العقول عن إدراك الحقائق. ينظر: المعجم الفلسفي ١/ ٨٦٨.
(٤) ينظر: الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية المعطلة ٢/ ٦٤٦.
(٥) المرجع نفسه ٢/ ٦٥٠.

<<  <   >  >>