للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: أفعال العباد]

قال ابن عجيبة: "قد جعل الله بحكمته الباهرة في العبد كسبًا فيما يظهر له، يقصد به الخير والشر، وفي الحقيقة: هو مجرور بسلسلة، لكن الشريعة تنسب الفعل إليه، بسبب ذلك الكسب، فتقوم الحُجَّة عليه" (١).

ويقول في تفسيره لقول الله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} (٢): "كما استخرج الحق -جلَّ جلالُه- من بين فرثٍ ودمٍ لبنًا خالصًا سائغًا للشَّاربين استخرج مذهب أهل السُّنَّة القائلين بالكسب من بين مذهب الجبرية ومذهب المعتزلة، بين قومٍ أفرطوا وقومٍ فرَّطوا" (٣).

وقال في موضعٍ آخر: "قد تقرَّر عند أهل الحقِّ أنَّ العبدَ مجبورٌ في قالب مختار، فليس له فعل، ولا اختيار، وإنما الفعل هو الواحد القهَّار" (٤).

ويقول أيضًا: "فالتحقيق أنَّ العبد مجبور، لكن في قالب الاختيار، فمن نظر للجبر الباطني سمَّاه حقيقة، ومن نظر لقالب الاختيار سمَّاه شريعة" (٥).

أولًا: مفهوم الكسب عند الأشاعرة، ومقصود ابن عجيبة من قوله: (لا فاعل إلا الله)

عرَّف الأشاعرة الكسب بتعريفاتٍ متنوِّعة, منها:


(١) سلك الدرر في القضاء والقدر، ص ٥٤.
(٢) سورة النحل: ٦٦.
(٣) البحر المديد ٣/ ١٤١.
(٤) إيقاظ الهمم، ص ٢٣٧.
(٥) الفتوحات الإلهية، ص ٣٣٧.

<<  <   >  >>