للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول: الكتاب]

لا ريب أنَّ الاستدلال بالقرآن محلُّ إجماع المسلمين، لكن الاختلاف في تناول نصوص الكتاب وفهمها وتطبيقها، والموفَّق من صحَّ فهمه وحسن قصده عند الاستدلال بها، "وصحة الفهم وحُسن القصد من أعظم نعم الله - عز وجل - التي أنعم بها على عبده بل ما أُعطي عبدٌ عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم" (١).

وعند سبر آراء ابن عجيبة في الكتاب والاستدلال به نجد أن لديه آراءً توافق الحق، وأخرى خالف فيها ما يدلُّ عليه الكتاب وأقوال سلف الأمة.

ومما وافق فيه الحق قوله (٢): "أما القرآن العظيم فلا بدَّ من الإيمان أنه منزَّلٌ على نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمن اعتقد أنه منزَّلٌ على غيره كالروافض (٣)

فإنه كافر بإجماع الأُمَّة"،


(١) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم ١/ ٨٧.
(٢) البحر المديد ١/ ٧٥.
(٣) الروافض: هم الذين يتبرؤون من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ويسبونهم وينتقصونهم ويكفِّرون الصحابة - رضي الله عنهم - إلا نفرًا يسيرًا، ومنهم علي، وعمَّار، وسلمان - رضي الله عنهم -، قال عبد الله بن أحمد: سألتُ أبي عن الرافضة؟ فقال: الذين يسبون أو يشتمون أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما -، وقال: قلتُ لأبي: من الرافضي؟ قال: "الذي يسب أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما -، وقيل سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، وقيل لرفضهم الحق، وأقول إنهم يحملون عقائد خطيرة منها: انتقاص الرَّبِّ - عز وجل -، وتأليه الأئمة وتحكيم غير شرع الله. ينظر: السُّنَّة للإمام أحمد، ص ٨١، طبقات الحنابلة ١/ ٣٣، والسُّنَّة، لعبد الله بن أحمد ٢/ ٥٤٨، السُّنَّة، للخلال، ص ٤٩٢ رقم ٧٧٧، منهاج السُّنَّة ١/ ٨، الحجة في بيان المحجة، لأبي القاسم التيمي ٢/ ٤٧٨.
وذهبت الغرابية إلى أنَّ الله تعالى لم يبعث محمَّدًا نبيًّا ولم يرسل إليه جبريل - عليه السلام - بالرسالة، ولكنه أرسله إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وكان محمَّد - صلى الله عليه وسلم - أشبه بعليٍّ من الغراب بالغراب، وقد بعث الله جبريل إلى علي فغلط جبريل في تبليغ الرِّسالة إلى علي بن أبي طالب، فبلَّغها إلى محمَّد بن عبد الله، قال شاعرهم: (غلطِ الأمينُ فحادها عن حيدرة)، ويلعنون صاحب الريش، ويعنون به جبريل - عليه السلام -.

وهذا لا شكَّ في بطلانه قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} الفتح: ٢٩، وقال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} آل عمران: ١٤٤، وقال تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} الأحزاب: ٤٠، ينظر: السيوف المشرقة ومختصر الصواقع المحرقة، ص ٤٢٢.

<<  <   >  >>