للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: موقفه من طرقها]

يرى ابن عجيبة أنَّ الصوفية وإن اختلفت مسالكها فأتباعها متفقون في الأصول والفروع، يقول: "كانت مذاهب القرَّاء خمسة وعشرين رواية، ثم تقررت في عشرة، وكانت مذاهب النُّحاة على مذهبين، بصري وكوفي، بخلاف مذهب الصوفية فهي متفقة في المقصد والعمل وإن اختلفت المسالك، فمرجع كلام القوم في كل باب لأحوالهم، وإلا فلا تنافي بين أقوالهم لمن تأمَّلها، وذلك بخلاف مذهب غيرهم، والوجه فيه أنَّ الحقَّ واحد، وطريقه وإن اختلفت مسالكها فالنهاية واحدة، والذوق واحد ... ومذهب الصوفية هو الاتفاق في الأصول والفروع، أمَّا الأصول فنهايتهم الشهود (١) والعيان، وهم متفقون فيه؛ لأنه أمرٌ ذوقي لا يختلف" (٢).

وقد تابع ابنُ عجيبة الهجويري (٣) وهو من الأقطاب -عند الصوفية- فيقول: "ومهما كانوا -أي الصوفية- مختلفين في المعاملات والمجاهدات والمشاهدات والرياضات، فإنهم موافقون ومتفقون في أصول وفروع الشرع والتوحيد" (٤).

وكلُّ من انتسب إلى الصوفية فقد وقع في البدعة؛ فانتسابه في حدِّ ذاته بدعة، فلا يوجد زهدٌ عند الصوفية بالمعنى الممدوح، وما يسمونه زهدًا بدعةٌ وانحراف، قال


(١) رؤية الحق بالحق، وحضور مرة بنعت المراقبة وأخرى بنعت المشاهدة، وأنه فيض من النور الإلهي ينغمس فيه الروح وينكشف به سر الخليقة، يسير فيه الصوفي من شهود الفعل إلى شهود الصفات، ثم شهود الذات. ينظر: عوارف المعارف، ص ٥٢٨، التعريفات، ص ١٦٩.
(٢) الفتوحات الإلهية، ص ٦٤.
(٣) هو: علي بن عثمان بن أبي علي الجلابي الهجويري، ولد سنة ٣٨٠ هـ، له رحلات إلى الهند وتنقل فيها، ومن أشهر كتبه: كشف المحجوب، ولقد أُسر في لاهور على يد الهندوس، وتوفي فيها سنة ٤٦٥ هـ. ينظر: الموسوعة الصوفية، ص ٤٠١، مقدمة كتاب كشف المحجوب ٢/ ١٥ - ٢١.
(٤) كشف المحجوب ٢/ ٤٠٣.

<<  <   >  >>