للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسأل عنها من أهل الباطن فليسأله على حذر، ويكون معه كالجالس مع العقرب والحيَّة، والله ما رأيت أحدًا قط من الفقراء قرب منهم، وصحبهم فأفلح أبدًا في طريق الخصوص" (١).

أمَّا بالنسبة للكتب فلقد زعم أنها سبب لتبديع الصوفية ورميهم بالكفر.

فيقول: "النظر في الكتب يضعف المسالك؛ لتشعبها وكثرتها عند اختلاف الهمم، لا سيَّما من جبلت طبيعته على علم الظاهر، فإنه أبعد الناس عن الطريق ما لم يتداركه الله بفتح منه؛ لأن التشريع كل حكمة تحتها حكم من لم يفهمها فبستانه مزهر غير مثمر، ومن هنا وقع الإنكار، حتى امتحن الله كثيرًا من الصوفية على أيدي علماء الظاهر، عندما نسبوهم للكفر والزندقة والبدعة والضلال، وسر الخصوصية يقتضي ذلك لا محالة" (٢).

وهذا الذي سطره ابن عجيبة هو ديدن الصوفية الذين لقنوه لمريديهم منذ بداية سلوكهم في الطريق، فصوَّروا لهم علماء الشريعة بأنهم أعداء لهم حتى اعتقدوا أنه لا يصح منهم الاسترشاد ولا يقبل منهم نصيحة (٣).

ولذا أعرضوا عن الكتاب، ونبذوا السُّنَّة وراء ظهورهم، وزهَّدوا الناس فيها، وانسلخ أقوام من حفظها ومعرفتها، فطعنوا في أهلها، ورموهم بالقبيح من القول والفعل، فكيف لمن لم يكن عالمًا بمعاني القرآن خبيرًا بسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآثار الصحابة - رضي الله عنهم - فقيهًا في ذلك عاملًا به أن يكون على صراط مستقيم!! (٤).


(١) إيقاظ الهمم، ص ١١٣.
(٢) المرجع نفسه، ص ٤١٢.
(٣) ينظر: الإبداع في مظاهر الابتداع، ص ٣٠٩.
(٤) ينظر: الانتصار لأصحاب الحديث، ص ٤٢ - ٤٥، العقيدة الأصفهانية، ص ١٦٥.

<<  <   >  >>