للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقرر ذلك في موضع آخر في شرحه للأبيات التالية:

أربٌّ، وعبدٌ، ونفي ضدِّ؟ ... قلتُ له: ليس ذاك عندي

فقال: ما عندكم؟ فقلنا: ... وجودُ فقْدٍ، وفَقْدُ وَجْد

توحيدُ حقٍّ بتركِ حقٍّ ... وليس حقٌّ سواىَ وَحْدِي

ويشرح ابن عجيبة الأبيات بقوله: "ومعناها الإنكار على من أثبت الفرق، بأن جعل للعبودية محلًّا مستقلًّا منفصلًا عن أسرار معاني الربوبية قائمًا بنفسه، ولا شكَّ أنَّ العبودية تضاد أوصاف الربوبية على هذا الفرق، وأنت تقول في توحيد الحق: لا ضدَّ له، فقد نقضت كلامك، ولذلك قال: ونفي ضدِّ؟ فالواو بمعنى مع، وهو داخل في الإنكار، أي أيوجد ربٌّ وعبدٌ مستقلٌّ مع نفي الضدِّ للربوبية، والعبودية تضاد أوصاف الربوبية، والحقُّ أنَّ الحق تعالى تجلَّى بمظاهر الجمع في قوالب الفرق، ظهر بعظمة الرُّبوبيَّة في إظهار قوالب العبودية، فلا شيءَ معه" (١).

وابن عجيبة يغفل توحيد الألوهية، ويظهر ذلك من تقسيماته للتوحيد كما تقدم في مبحث سابق، فتوحيد الأفعال عند المتكلِّمين يقابله توحيد الرُّبوبيَّة عند أهل السُّنَّة والجماعة، وتوحيد الذات والصفات عند المتكلِّمين يقابل توحيد الأسماء والصفات عند أهل السُّنَّة والجماعة (٢).

خامسًا: العبادة

العبادة: مصدر عَبَد يعبُدُ عبادةً أي: أطاع، وهذا المصدر مأخوذٌ من مادة (ع ب د) التي تدلُّ على معنيين: الأولُ لينٌ وذلٌّ، والآخر شدَّةٌ وغِلَظٌ، ولا يُقال عَبَدَ


(١) إيقاظ الهمم، ص ٢٠٩.
(٢) ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم ٢/ ٣٨٦.

<<  <   >  >>