للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محصورة، ومن جهة معناها لا نهاية لها، متصلة ببحر المعاني الأزلي، الذي برزت منه، وما نسبتها من ذلك البحر من جهة حسِّها إلا كخردلةٍ في الهواء ... " (١).

ثم يقول في موضع آخر: "فالأشياء كلها قامت بالخمرة الأزلية، ولا وجود لها بدونها، بل لا نسبة لها معها ... قال بعض المحققين: لو كُلِّفت أن أرى غيره لم أستطع، فإنه لا شيء معه حتى أشهده" (٢).

فالخمرة الأزليُّة هي الحُبُّ الإلهي عند ابن عجيبة، وهي أساس الوجود للكون -كما يزعم- هو وغيره من الصوفية، فهذا عبد الرحمن جامي (٣) يقول: "في تلك الخلوة، التي لم يكن فيها للوجود علامة، وكان العالم محتجبًا في زاوية العدم، كان وجودًا منزَّهًا عن الشريك، بعيدًا عن أقاويلنا وأقاويلك، فهو جمالٌ مُبرَّأٌ من قيد المظاهر، يتجلَّى بنوره على ذاته، وتجلَّى على الآفاق والأنفس، فأظهر وجهه في كل مرآة، وانتشر منه في كل مكان حديث، إذ جعل من ذرَّات الدنيا مرايا، وألقى بوجهه في كلِّ مكانٍ منها ... وتجلَّى جماله في كل مكان، وتخفَّى في معشوقيَّ الكون، فهو المحتجب وراء كل ستار تراه، وعشقه محرِّك كلّ قلب، فالقلب يحيا بعشقه، وتسعد الروح شوقًا إليه" (٤).


(١) البحر المديد ٢/ ٥١٣.
(٢) شرح خمرية ابن الفارض, ص ٧٩، وينظر: معراج التشوف, ص ٧٦.
(٣) هو: عبد الرحمن بن أحمد الجامي، اُشتهر بملا جامي، وأصله من أصفهان بإيران، ولد ببلدة جام في إقليم خراسان سنة ٨١٧ هـ، وهو صوفيٌّ فارسيٌّ على الطريقة النقشبندية، يقول بوحدة الوجود، له شرحٌ على فصوص ابن عربي، وكانت وفاته في هراة بأفغانستان سنة ٨٩٨ هـ، وعمره إحدى وثمانون سنة. ينظر: إرغام أولياء الشيطان بذكر مناقب أولياء الرحمن، ص ٤٠٤، الدرر البهية في تراجم الحنفية، ص ١١١.
(٤) يوسف وزليخا، ص ٤٧ - ٥٠.

<<  <   >  >>