للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يجزم ابن عجيبة بالمستثنى من الصعق في قول الله - عز وجل -: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (١)، فقال: إن قلنا: المراد بها النفخة الثانية، فالمستثنى هم من سبقت لهم الحسنى، بدليل قوله: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} (٢)، وإن قلنا: هي نفخة الصعق، فالمستثنى قيل: هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، وقيل: الحور وحملة العرش، وإن قلنا: المراد نفخة الفزع في الدنيا، فالمستثنى أرواح الأنبياء والأولياء والشهداء والملائكة (٣).

واستضعف بعض أهل النظر أكثر هذه الأقوال؛ لأنَّ الاستثناء وقع من سكان السَّماوات والأرض وهؤلاء ليسوا من سكانها؛ لأنَّ العرش فوق السماوات فحملته ليسوا من سكانها وجبريل وميكائيل من الصافِّين حول العرش ... ويدل على أنَّ المستثنى غير الملائكة ما أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وصححه الحاكم من حديث لقيط بن عامر مطولًا وفيه: «يلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة (٤) فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من أحد إلا مات حتى الملائكة الذين مع ربك ... » (٥).

ورجَّح الطبري والقرطبي وابن كثير والحليمي أنَّ المستثنى في الآية هم الشهداء (٦).


(١) سورة الزمر: ٦٨.
(٢) سورة الأنبياء: ١٠٣.
(٣) ينظر: البحر المديد ٤/ ٢٢٣.
(٤) الصائحة هي: صيحة المناحة والفزع، المعجم الوسيط، باب الصاد ١/ ٥٣٠.
(٥) أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند ٤/ ١٣، والطبراني في معجمه الكبير ١٩/ ٢١٤، رقم ٤٧٧، وأبو داوود في سننه ٣/ ٢٢١، رقم ٣٢٦٦، وصححه الحاكم في المستدرك ٤/ ٦٠٨، رقم ٨٦٨٣.
(٦) ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن ٢١/ ٣٣١، التذكرة بأحوال الموتى والآخرة ١/ ٤٥٤، النهاية في الفتن والملاحم ٢/ ٣٨٨، المنهاج ١/ ٤٣١.

<<  <   >  >>