للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلَّق ابن تيمية على هذا الحديث بقوله: "من قال هذا أذهب الله همَّه وغمَّه وأبدله مكانه فرحًا، فقد أخبر أنَّ لله أسماء استأثر بها في علم الغيب عنده وهذه لا يعلمها ملكٌ مقرَّبٌ ولا بشر" (١).

ومما يستدل بها العلماء في هذا الباب حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يدعو به في سجوده «اللهم إنِّي أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصى ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» (٢).

ووجه الدلالة من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا أحصى ثناء عليك» أنه - صلى الله عليه وسلم - وهو أعلم الخلق بربه لا يحصي الثناءَ عليه؛ لكثرة أسمائه الحسنى التي استأثر الله بها في علم الغيب عنده (٣).

وقال ابن القيم: "إنَّ الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر، ولا تحد بعدد؛ فإنَّ لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها ملكٌ مقرَّب، ولا نبيٌّ مرسل، كما في الحديث الصحيح: «أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك، سمَّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ... »، فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: قسم سمَّى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم، ولم ينزل به كتابه، وقسم أنزل به كتابه فتعرَّف به إلى عباده، وقسم استأثر به في علم غيبه فلم يُطلع عليه أحدًا من خلقه، ولهذا قال: (استأثرت به) أي انفردت بعلمه، وليس المراد انفراده بالتسمِّي به؛ لأنَّ هذا الانفراد ثابتٌ في الأسماء التي أنزل الله بها كتابه، ومن هذا قول: النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة: «فيفتح عليَّ من محامده بما لا


(١) الإيمان الأوسط ١/ ١١٥.
(٢) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، ١/ ٣٥٢، رقم ٤٨٦.
(٣) ينظر: بيان تلبيس الجهمية في بدعهم الكلامية ١/ ٣١٠، بتصرف.

<<  <   >  >>