للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خامسًا: الرد على تأويلات الوجه (بالذات، أو الثواب، أو الجزاء، أو الرحمة)

قال ابن القيم: "إنَّه لا يعرف في لغةٍ من لغات الأمم وجه الشيء بمعنى ذاته ونفسه، وغاية ما شبه به المعطل وجه الرَّب أن قالوا: هو كقوله: وجه الحائط، ووجه الثوب، ووجه النهار، ووجه الأمر (فيقال) لهذا المعطِّل المشبِّه: ليس الوجه في ذلك بمعنى الذات بل هذا مبطل لقولك فإنَّ وجه الحائط أحد جانبيه فهو مقابل لدبره، وكمثل هذا وجه الكعبة ودبرها، فهو وجه حقيقة ولكنه بحسب المضاف إليه، فلما كان المضاف إليه بناء كان وجهه من جنسه" (١).

وأنَّه قد ثبت في عرف الناس وعاداتهم في الخطاب العربي الذي أجمع عليه أهل اللغة أنَّ تسمية الوجه في أيِّ محلٍّ وقع في الحقيقة والمجاز يزيد على قولنا: ذات، وأمَّا في الحيوان فذلك مشهورٌ حقيقة لا يمكن دفعه، ولا يسوغ فيه غير ذلك، وأمَّا في مقامات المجاز فكذلك أيضًا؛ لأنه يُقال: (فلانٌ وجه القوم) لا يراد به ذات القوم؛ إذ ذوات القوم غيره قطعًا ويقينًا، ويقال: (هذا وجه الثوب)؛ لما هو أجوده، ويقال: (هذا وجه الرأي) أي: أصحُّه وأقومه، (وأتيت بالخبر على وجهه) أي: على حقيقته (٢).

والوجه في اللغة: مستقبل كل شيء؛ لأنه أوَّل ما يواجه منه، ووجه الرأي والأمر: ما يظهر أنه صوابه وهو في كلِّ محلٍّ بحسب ما يضاف إليه، فإن أضيف إلى زمن كان الوجه زمنًا، وإن أضيف إلى حيوان كان بحسبه، وإن أضيف إلى ثوب أو حائط كان بحسبه، وإن أضيف إلى مَن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (٣)


(١) مختصر الصواعق المرسلة ٣/ ٩٩٦.
(٢) ينظر: بيان تلبيس الجهمية ١/ ٣٥.
(٣) سورة الشورى: ١١.

<<  <   >  >>