للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا كلُّه باطل؛ إذ المعتقد الصحيح المستمد من الوحيين والمقرر في عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات، ولا يمكن لأحدٍ مهما بلغت منزلته أن يراه يقظة، بل حدثت بعد وفاته مصائب عظام وكان الصحابة - رضي الله عنهم - في حاجته، منها حرب صفِّين، وموقعة الجَمَل، ولا يعقل أن يغفلوا عن الأسباب التي تجعلهم يرونه يقظةً.

قال القرطبي معلِّقًا على قول الصوفية الذين جوَّزوا رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظةً: "وهذا قولٌ يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحدٌ إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه رائيان في آنٍ واحدٍ في مكانين، وأن يحيا الآن، ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق، ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء، فيزار مجرَّد القبر ويُسلَّم على غائب؛ لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره، وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل" (١).

وقال ابن تيمية - رحمه الله -: "والنَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من رآني في المنام فقد رآني حقًّا فإنَّ الشيطان لا يتمثَّل في صورتي» قال ابن عباس: في صورته التي كان عليها في حياته، وهذه رؤية في المنام، وأمَّا في اليقظة فمن ظنَّ أنَّ أحدًا من الموتى يجيء بنفسه للناس عيانًا قبل يوم القيامة فمن جهله" (٢).

ويقول أيضًا: "وكثيرٌ من هؤلاء يظنُّ أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه أو غيره من الأنبياء أو الصالحين يأتيه في اليقظة، ومن يرى ذلك ثم قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الشيخ وهو صادق في


(١) المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم ٨/ ١٥٣.
(٢) مجموع الفتاوى ١٣/ ٩٤.

<<  <   >  >>