كتاب آراء ابن عجيبة العقدية عرضا ونقدا

المبحث الأول: معنى القدر ومراتبه - رابعا: مراتب القدر - ص: 594

أزل الأزل لا بعلمٍ متجدِّد" (١).

وفي الحقيقة أنَّ ابن عجيبة أثبت مراتب القدر إجمالًا، لكنَّه خالف في المسائل التفصيلية في القدر، كما هو الحال في المذهب الأشعري، قال البيجوري: "فالقضاءُ والقدرُ راجعان لما تقدَّم من العلم والإرادة وتعلُّق القدرة" (٢)، وقال الرازي في تقرير الدلائل الإخبارية على صحة القول بالقضاء والقدر: "الحجة الثلاثون: عن أبي ظبيان (٣) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «أول ما خلق الله تعالى القلم، فقال: اكتب، فقال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة» (٤)، فأدخل جميع أفعال العباد في هذا المكتوب" (٥)، ثم يقول إن كتابة المقادير ليست واجبة؛ "لأنَّ المسلمين أجمعوا على أنَّ العلم بوجود اللَّوح المحفوظ، وبأنَّ الله أحدث فيه رقومًا خاصَّةً دالةً على أحوال هذا العالم؛ ليس من شرائط الإيمان ولا من واجباته" (٦).

وهذا القول فاسدٌ؛ فالإيمان بالقدر واجبٌ وهو أحدُ أركان الإيمان الستَّة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سُئِل عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» (٧).

---

(١) مخطوط رسائل في العقائد ل/٢.
(٢) حاشية البيجوري على جوهرة التوحيد، ص ١٨٩.
(٣) هو: أبو ظَبْيان، حصين بن جندب بن الحارث الجَنْبي الكوفي، من علماء الكوفة، مجمعٌ على صدقه، كان ممن غزا القسطنطينية مع يزيد بن معاوية سنة خمسين، مات سنة تسعين وقيل غير ذلك. ينظر: سير أعلام النبلاء ٥/ ٢١٢.
(٤) أخرجه أحمد في مسنده ٥/ ٣١٧، رقم ٢٢٧٥٩، والطبراني في معجمه الكبير ١٢/ ٦٩، رقم ١٢٥٠٠، ومسند الشاميين ٢/ ٣٩٨، رقم ١٥٧٢، وعبد الرزاق في مصنفه ٧/ ٢٧١، رقم ٣٦٠٠٣، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع ١/ ٤٠٥، رقم ٢٠١٧.
(٥) المطالب العالية ٩/ ٢٤٤.
(٦) المرجع نفسه ٩/ ٢٢١.
(٧) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان والإسلام والقدر وعلامات الساعة، ١/ ٤٠، رقم ٨.