للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول: «إنَّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا» (١).

قال ابن حجر - رحمه الله -: "وفيه دليلٌ على زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أعلمكم بالله) ظاهر في أنَّ العلم بالله درجات، وأنَّ بعض النَّاس فيه أفضل من بعض، وأنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - منه أعلى الدرجات، والعلم بالله يتناول ما بصفاته وما بأحكامه وما يتعلَّق بذلك فهذا هو الإيمان الحقيقي" (٢).

٢ - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد» (٣).

قال ابن عبد البر - رحمه الله - معلِّقًا على هذا الحديث: "وإنما صاروا ناقصي الإيمان بارتكابهم الكبائر، ألا ترى إلى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» يريد مستكمل الإيمان، ولم يرد به نفي جميع الإيمان عن فاعل ذلك بدليل الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر، إذا صلّوا للقبلة، وانتحلوا دعوة الإسلام من قرابتهم المؤمنين الذين آمنوا بتلك الأحوال، وفي إجماعهم على ذلك مع إجماعهم على أنَّ الكافر لا يرث المسلم أوضح الدلائل على صحة قولنا: إنَّ مرتكب الذنوب ناقص الإيمان بفعله ذلك وليس بكافر كما زعمت الخوارج في


(١) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا أعلمكم بالله، ١/ ٢٣، رقم ٢٠.
(٢) فتح الباري ١/ ٧٠.
(٣) أخرجه البخاري ٣/ ١٣٦، رقم ٢٤٧٥، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ١/ ٧٦، رقم ٥٧، واللفظ لمسلم.

<<  <   >  >>