في "أماليه". وقولُ الذَّهبيِّ: إنّ راويه مكحُولًا لم يُدرِك أبا ثَعلَبَةَ، تَبِعَ فيه إنكار أبي مُسهِرٍ لسماعِهِ منه، ووافقه أبُو زُرعة وأبُو حاتِمٍ، فقالا: دخل عليه، ولم يسمع منه. لكن خالَفَهُم ابنُ مَعينٍ، فقال: إنَّه سمع منه. والقاعِدةُ الأُصوليَّة أنَّ الإثبات مُقدَّمٌ على النَّفي، تُرَجِّحُ ما قالَهُ ابنُ مَعِينٍ، فلذا اعتَمَدَه النَّوَوِيُّ في "أربعينه"، وغيرُهُ. ويُؤيِّدُهُ أنَّهُ مُعاصِرٌ له بالسِّنِّ والبَلَدِ، فاحتِمالُ سماعِهِ منه أقربُ من عَدَمِهِ. وكونُهُ مُدلِّسًا لا يُنافِي حُسنَ حديثِهِ ولا صِحَّتَهُ كما هُو مُقرَّرٌ في محِلِّه، ويُحتَمَلُ أنَّ تحسينَ النَّوَوِيِّ له لكونِهِ رُوي من طُرُقٍ بعضُها ضعيفٌ، وبعضُها مُنْقَطِعٌ، فإذا انضمَّ بعضُها إلى بعضٍ قويت، فيكُونُ حَسَنًا لغيره لا لذاته، وإنَّ تصحيحِ ابنِ الصَّلاح أَخَذَهُ من قول البزَّار في روايته: إسنادُها صالحٌ، والحاكِمِ فيها أنَّها صحيحةُ الإسناد" انتهَى.
• قلتُ: كذا قال! وقد نصَّ المِزِّيُّ في ترجمة "أبي ثَعلَبَةَ" أنَّ مكحُولًا لم يسمع منه، وسبقه إلى ذلك أبُو نُعيمٍ الحافظُ، ووافقهُ إبنُ رجبٍ في "جامع العُلوم"، وذكر التِّرمذِيُّ أنَّه لم يسمع إلَّا من ثلاثةٍ من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كما مضى في الحديث (٣٢١). وقولُ الهيتَمِيِّ إنَّ ابنَ مَعينٍ أثبتَ سماعَ مكحُولٍ من أبي ثَعلَبَةَ ما أُراهُ إلَّا وَهَمًا منه، ولم أر أحدًا نَسَب هذا إلى ابنِ مَعينٍ ولا إلى غيره. ولو سلَّمنا بصحَّة نقله، فإنَّ القاعدة الأُصُوليَّة التي ذَكَرَها تصحُّ إذا لم يكن ثمَّةَ مانعٌ. والمانعُ هنا أنَّ مكحُولًا كان يُرسِلُ ويُدلِّسُ، والمُعاصَرَةُ تنفعُ إذا انتَفَى هذان، ولذا قال العَلائِيُّ في "جامع التَّحصيل" (ص ٢٨٥ - ٢٨٦): "روى عن أبي ثَعلَبَةَ حديثَ: إنَّ الله فَرَضَ فرائضَ … وهو مُعاصِرٌ له بالسِّنِّ والبلد فيُحتَمَلُ أن يكُون أرسَلَ كعادته، وهو يُدلِّسُ أيضًا" ا. هـ. فمن قوَّى هذا الإسنادَ فلا شكَّ