للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بُريدة لم يَذكُر سماعًا من أبيه".

فالجواب: أن البُخَارِيَّ - رحمه الله - إذا لم يَقِف على سَنَدٍ فيه سماعُ الرَّاوي مِن شيخه، فإنَّه يَحكُم بالانقطاع، أو يتوقَّف في الحُكم بالاتِّصال. ولكنَّ هناك صُوَرًا لا يَسَعُنا إلا قَبُولُهَا، وإن لم نَقِف في سَنَدٍ من الأسانيد على سماع الرَّاوي مِن شيخه؛ لوُجود القرينة القويَّة التي تدلُّ على السَّماع، مثل رواية أصحاب البَلَد الواحد عن بعضهم، مع الضَّبط والعدالة والبراءة من التَّدليس، ومثل رواية الوَلَد عن أبيه، إذا عاشَرَهُ طويلًا.

وقد احتجَّ البُخَارِيُّ في "صحيحه" برواية عبد الله بن بُرَيدة، عن أبيه، في مَوضِعين من "كتاب المَغازي" ..

الموضع الأوَّل: "باب بَعثِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عليَّ بنَ أبي طالبٍ، وخالدَ بنَ الوليد، إلى اليَمَن، قبل حَجَّة الوَدَاع" (٨/ ٦٥ - فتح).

الموضع الثَّاني: في آخر "كتاب المَغَازِي" (٨/ ١٣٥): "بابُ كم غزا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ".

ومن المَعلُوم أن عبد الله بن بُريدَة وسُليمان، وُلِدَا في بطنٍ واحدٍ، لثلاث سِنِين خَلَونَ مِن خلافة عُمَرَ، وأَكثَرُ العُلماء على أن سُليمان أوثقُ مِن عبد اللّه، وأصحُّ حديثًا، وقد صاحَبَ سُليمانُ أباه أكثرَ مِن أربعين سنةً، فكيف يُقالُ: لم يَسمَع منه؟! وقد أكثَر مُسلِمٌ في "صحيحه" مِن التَّخريج لسُليمَان بن بُرَيدة، عن أبيه. والحمدُ لله.

فهذا ما بدَا لي من النَّظَر في هذا الاختلافِ، على وجه الاختصار، وإلَّا فالمقام يَحتَمِلُ البَسطَ، كما لا يَخفي. والعِلمُ عند الله تعالَى.