أتُراه ما سَمِع في "الصَّحيحين"، عن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنَّه قال:"مَن روَى عنِّي حديثًا يَرَى أَنَّهُ كذبٌ، فهُو أَحَدُ الكذَّابين"؟ أَمَا عَلِم أن العوامَّ يقُولُون:"لولا أن هذا صحيحٌ ما ذَكَرَهُ مِثلُ هذا العالم"، فيعمَلُونَ بمُقتَضَاه … ولكن، غَلَبَ الهوَى بالعصبيَّةِ للبلَد والوَطَن" ا. هـ.
• قُلتُ: بل نُبرِّئُ ابنَ ماجَهْ، إِن شاءَ اللهُ، أَن يسكُتَ عن الكَذِب، وتغلبَهُ العصبيَّةُ لبلده قزوينَ. ولعلَّه رأَى أنَّهُ من الضَّعيف لا الموضُوعِ، وإِن كان قَد تساهَل على أيِّ حالٍ، في إيراد مِثل هذا، كما قالَ الذَّهبيُّ في "الميزان" (٢/ ٢٠): "فلقد شَانَ ابنُ ماجَهْ سُنَنَه بإدخالِ هذا الحديث الموضوع فيها".
وقال الحافظ في "التَّهذيب" (٣/ ٢٠٠): "حديثٌ مُنكَرٌ".
لكن يَبقَى على كلام ابن الجَوزيِّ مُؤاخَذَتان ..
الأولى: قولُه: "أتُراه ما سمع في الصَّحيحين". فهذا الحديثُ ما رَوَاهُ البُخاريُّ قطُّ، وأخرجه مُسلِمٌ في "مُقدِّمة صحيحه"، فلا يَكُون على شرطِهِ. فلا ينبغي أن يُعزَى للصَّحيحين، إلَّا لمُسلِمٍ مُقيَّدًا.
الثَّانية: قولُه: "أَمَا علم أن العوام … الخ". فنَقُولُ: رَحِمَكَ اللهُ يا إمامُ! فأغلَبُ كُتُبك، لا سيَّما ما كان منها في الوعظ، تعُجُّ بالأحاديث الضَّعيفةِ والموضُوعة! وكَم تكبَّدنا مِنَ الجَهد، ما لا يَعلَمُه إلَّا الله، مع بعض الخُطَباء، في إقناعِهِم أن هذا الحديث باطلٌ، فيقولُ: "ذَكَرَهُ ابنُ الجوزيِّ في "تلبيس إبليس"، وهُو من عُلماء الحَديثِ"!