للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأمَّا قولُه "بأنَّ مَذهَب مُسلِمٍ ومُحقِّقي المُحدِّثين أنَّه إذَا تعارض الوصلُ والإرسالُ، يُقدَّمُ الوَصلُ؛ لأنَّ زيادة الثِّقة مقبولةٌ" فغيرُ صحيحٍ.

والمُحَدِّثون - ومُسلِمٌ من أئمتهم - يحكُمُون بالوصل أو الإرسال بحسب ثِقةِ الرُّواة، وضبطهم، وكثرَتِهم، ونحو ذلك. وَمَن نَظَرَ إِلَى "كتاب التَّميِيز" للإمام مُسلِمٍ عَلِمَ صِحَّة ما أقولُ. وكذلك النَّاظِرُ إلى كُتُب العِلَل، مثل "علل أحمدَ"، و "علل ابن أبي حاتمٍ"، و "علل الدَّارَقُطنيِّ"، عَلِمَ أن المُحدِّثين لا يَقبَلون زيادةَ الثِّقة بإطلاقٍ، وكَم من أحاديثَ ردُّوها لأكابرِ المُحدِّثين والرُّواة؛ لأنَّهُم تفرَّدُوا بها، ولَو كانت زيادةُ الثِّقَةَ تُقبَل بإطلاقٍ لَانْتَفَى القولُ بوُجُود الشُّذُوذ.

وإِنِّي سَأُوقِفُكَ على مثالٍ عجيبٍ خالف فيه النَّووِيُّ مذهبَه هنا.

فقد أخرَجَ مُسلِمٌ (٤٠٤/ ٦٣) حديثًا لأبي مُوسَى الأشعريِّ في صِفة صلاة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأَشَارَ عقِبَه إلى قَولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنصِتُوا"، فأعلَّ الدَّارقُطنيُّ في "التَّتَبُّع" (ص ٢٣٩ - ٢٤٠) هذه الزِّيادة بقوله: "قد خالَفَ التَّيميَّ جماعةٌ، مِنهُم: هشامٌ الدَّستُوائيُّ، وشُعبةُ، وسعيدُ بن أبي عَرُوبة، وأبانُ بنُ يزيدَ، وهمَّامُ بنُ يحيى، وأبُو عَوَانة، ومَعمرٌ، وعَدِيُّ بنُ أبي عُمارة، رَوَوهُ عن قَتادةَ، ولَم يَقُل واحدٌ مِنهُم: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنصِتُوا"، - قال: - وفي اجتماع أصحاب قَتادة على خِلاف التَّيمِيِّ دليل على وهمِهِ".

وكان المُنتَظَرُ مِنَ النَّوويِّ أن يَرُدَّ إِعلالَ الدَّارَقُطنيِّ، لِسَبَبَينِ: