للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كانت عنده على نحوٍ لَم يَطمئنَّ إليه.

ثُمَّ بعد هذا، لو كان الحديثُ موقُوفًا لفظًا فقط، كان مَرفُوعَ المَعنَى؛ لأنَّ الصَّحابِيَّ إذا حَكَى التَّحريمَ أو التَّحليل، أو الأمرَ أو النَّهيَ، كان محَمَلُهُ على النَّقل عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وقد تكلَّمنا في هذا المَعنَى فيما مَضى، في شرح حديث "أُحِلَّت لنا مَيتَتَان" (٥٧٢٣)، وأَشَرنا إلى بعض أقوال الأئِمَّة في ذلك، ونَزِيدُ هنا قولَ الخَطيبِ البَغدادِيِّ في كتاب "الكِفاية في عِلم الرِّوايَة" (ص ٤٢١)، قال:

"قال أكثرُ أهل العِلم: يجبُ أن يُحمَل قولُ الصَّحابِيِّ: "أُمِرنا بكذا" على أنَّه أمرُ الله ورسولِهِ. وقال فريقٌ منهم يجبُ الوَقفُ في ذلك؛ لأنَّه لا يُؤمَن أنْ يَعنِي بذلك أمرَ الأئمَّة والعُلماء، كما أنَّه يَعنِي بذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والقَولُ الأوَّل أولَى بالصَّواب".

"والدَّليلُ عليه: أنَّ الصَّحابِيَّ إذا قال: "أُمِرنا بكذا" فإنَّما يَقصِدُ الاحتِجاج لإثبات شرعٍ وتَحليلٍ وتحريمٍ وحُكمٍ يجبُ كونُهُ مَشرُوعًا".

"وقد ثَبَتَ أنَّه لا يَجِبُ بأمر الأئمَّة والعُلَماءِ تحليلٌ ولا تَحريمٌ إذا لَم يكُن أمرًا عن الله ورسولِهِ. وثَبَتَ أنَّ التَّقليد لهم غيرُ صحيحٍ. وإذا كان كذلك، لم يَجُز أن يقول الصَّحابِيُّ: "أُمِرنا بكذا" أو "نُهينا عن كذا"، لِيُخبِرَنَا بإثبات شرعٍ، ولُزوم حُكمٍ في الدِّين، وهُو يُريدُ أمرَ غيرِ الرَّسُول ومَن لا يجبُ طاعتُهُ ولا يَثبُتُ شرعٌ بقولِهِ، وأنَّه متى أراد مَن هذه حالُهُ وَجَبَ تقييدُهُ له بما يدلُّ على أنَّه لم يُرِد أمرَ مَن يَثبُتُ بأمرِهِ شرعٌ. وهذه الدِّلالَةُ بعَينِها تُوجِبُ حَملَ قوِلِه: "من السُّنَّة كذا" على أنَّها