للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكَم وَقَعَ ناسٌ بِسَبَبِ هذا في الاحتجاج بأحاديثَ باطِلةٍ، أو واهِيةٍ، بسبب تَسامُح الحافظ العِراقيِّ رَحِمَهُ اللهُ في نقده لأحاديث "إِحياء عُلوم الدِّين".

ومِن مَضَارِّ هذا التَّسامُح أيضًا، أنَّهُ قد فَشَا عند كَثيرٍ مِن المُتأخِّرين أنَّ الأحادِيثَ الضَّعِيفَةَ يُقَوِّي بَعضُها بعضًا، دُون مُراعاةٍ للشُّرُوط التي وَضَعَهَا العُلماءُ للتَّقوِيةِ، فإذا رأَى بعضُ هؤلاءِ مَن تَسامَحَ في نَقدِه، فوصف الحديثَ الباطلَ، أو المُنكَرَ، بالضَّعف فَقط، ظَنَّ أنَّهُ يَصلُح في التَّقوِيَة، فصَحَّحُوا، أو حَسَّنُوا مِئاتِ الأحاديث المُنكَرة. ولَمَّا كان الغالِبُ علَى الذين صَنَّفُوا في مُصطَلَح الحديث مِن المُتأخِّرين، أَنَّهُم مِمَّن غَلَب عليهم صِناعةُ الفِقه، واحتاجُوا عِلمَ الحديث ليُصَحِّحُوا أدِلَّتَهم، ولم يَكُن لهم ذَوقُ المُحَدِّثين، ولا نَقدُ الحُفَّاظ المُبَرَّزِين، فقد تَوَسعُوا جدًّا في تقوية الأحاديث الضَّعيفة، وإن شئت فقُل: المُنكَرة، بعضِها ببعضٍ، ممَّا حَدَا ببعض المُعاصِرين إلى الغُلوِّ، فقال: "إنَّ الأحاديث الضَّعيفة لا يُقَوِّي بعضُها بعضًا أبدًا"، والحقُّ بين الإفراط والتَّفريط.

والحقُّ الذي أَعتَقِدُه في هذه المسألة، أنَّ الأحاديث الضَّعيفة قد تَتَقَوَّى ببعضِها، بشُرُوطٍ ليس هاهنا مجَالُ سَردِها، ولكنَّ هذا النوعَ يَحتاج إلى أذكياء المُحَدِّثين، ممَّن طالت مُمارَسَتُهم لهذا العِلم، حتَّى صارَت لَهُم فيه مَلَكَةٌ، لا تَتكَوَّنُ إلَّا بالدِّربَة والمُمَارَسَةِ، معَ إِدمان النَّظَر في تَصَرُّفِ النُّقَّادِ الحاذِقين لهذا العِلم.

واللهُ يهدي مَن يشاء إلى صراطه المُستَقِيم.