كيف الفَلاحُ بينَ إيمان نَاقِصٍ، وأملٍ زائدٍ، ومَرَضٍ لا طبيبَ لَهُ ولا عائِدَ، وهَوً ى مُستَيقِظٍ، وعَقلٍ راقِدٍ، ساهيًا في غَمرَتِهِ، عَمِهًا في سَكرَتِهِ، سابحًا في لُجَّةِ جَهلِهِ، مُستَوحِشًا من رَبِّه، مُستأنِسًا بخَلقِهِ، ذِكرُ النَّاسِ فَاكهَتُهُ وقُوتُه، وذِكرُ الله حَبسُهُ ومَوتُهُ، لله مِنهُ جُزءٌ يسيرٌ من ظاهِرِهِ، وقَلبُهُ ويقِينُهُ لغيرِهِ؟!
لا كان مَن لِسِوَاكَ فيه بقيَّةٌ … يَجِدُ السَّبيلَ بها إليه العُذَّلُ"
• قلتُ: وكذلك عَمَلُ البِرُّ. فرُبَّ شيءٍ يسِيرٍ يكُونُ سببًا في نجاتِكَ، وأنت لا تَدرِي.
فقد أَخرَجَ ابنُ أبي شَيبةَ في "المُصنَّف" (١٣/ ١٨٤ - ١٨٥)، ومن طريقه أبو نُعيمٍ في "الحِليَةِ" (١/ ٢٦٣)، وابنُ قُدامَة في "كتاب التَّوَّابِين" (ص ٧٦ - ٧٧) قال: حدَّثَنا مُعتَمِرُ بنُ سُليمانَ، عن أبيه، قال: حدَّثَنا أبو عُثمانَ، عن أبي بُردَةَ، قال: لمَّا حَضَرَ أبا مُوسَى الوفاةُ، قال: يا بَنيَّ! اُذكُرُوا صاحبَ الرَّغِيف. قال: كان رجُل يتعبَّدُ في صَومَعَتِه - أُراهُ قال: سبعِينَ سنةً - لا يَنزِلُ إلَّا في يومِ أَحَدٍ. قال: فنزلَ في يومِ أَحَدٍ. قال: فَشُبِّه أو شَبَّ الشَّيطَانُ في عينه امرأةً، فكان مَعَها سَبعَةَ أيَّامٍ وسَبعَ لَيالٍ. قال: ثُمَّ كُشِفَ عن الرَّجُلِ غطاؤُهُ فخَرَج تائبًا، فكان كُلّما خَطَا خُطوَةً صلَّى وسَجَدَ. قال: فآوَاهُ اللَّيلُ إلى دُكَّانٍ عليه اثنا عَشَر مِسكِينًا، فأدَركَهُ الإِعيَاءُ، فرَمَى بنفسه بين رَجُلَين مِنهُم. وكان ثَمَّ راهبٌ يَبعَثُ إليهم كُلَّ ليلةٍ بأَرغِفَةٍ، فيُعطِي كُلَّ إنسانٍ رَغيفًا، فجاء صاحِبُ الرَّغيفِ، فأعطَى كُلَّ إنسانٍ رغيفًا، ومَرَّ على ذلك الذي خَرَج تائبًا، فظَنَّ أنَّهُ مِسكينٌ،